تقارير

مؤشر تطبيع.. استنكار سعودي "خجول" لعدوان الاحتلال على جنين

تاريخ النشر:2023-07-07

طيلة أيام عدوان الاحتلال الإسرائيلي على مدينة جنين ومخيمها شمال الضفة الغربية، لم يسمع للنظام السعودي وأمين عام رابطة علماء المسلمين محمد العيسى، سوى همس ونبس، الإعراب عن الإدانة على استحياء في بيان ركيك الكلمات وهزيل الصياغة أصدرته وزارة الخارجية في أعقاب بيانات غربية مدافعة عما أسمته حق "إسرائيل" في الدفاع عن نفسها.

ولما انسحب المحتل على وقع ضربات المقاومة الفلسطينية وتصدي الأهالي وإجبارهم قوات الاحتلال على الخروج من المخيم يجرون أذيال الهزيمة، أصدرت رابطة علماء المسلمين التي يقع مقرها في مكة المكرمة والمفترض أنها تهدف إلى علاج وحل قضايا الأمة المسلمة، بيانا جددت فيه "الشجب والتنديد" بالعدوان الإسرائيلي على جنين.

وبالنظر إلى البيان الأخير للرابطة ومقارنته بسابقيه، يتبين أن بياناتها مجرد دباجة مكررة لكلمات منتقاة بحذر، تبدأ بالإدانة ثم الحديث عن السلام المزعوم، وتختتم بنعي الضحايا وتمني شفاء الجرحى، مع تذيلها بدعوة أن يحفظ الله فلسطين، دون التعمق والوقوف على مستجدات الأحداث وتشديد اللهجة في مخاطبة الاحتلال وإدانة استهداف المقدسات.

فإذ تؤكد رابطة العالم الإسلام على موقعها الإلكتروني، أن من بين أهدافها حماية المساجد من كل اعتداء يقع عليها أو على ممتلكاتها، والمحافظة على الأوقاف الإسلامية، إلا أن بيانها الأخير لم يستنكر حصار جيش الاحتلال الإسرائيلي لمسجد الأنصار الواقع في حارة الدمج بمخيم جنين واستهدافه بغارة جوية، ولم يدين تبادل إطلاق النار مع المحتمين به.

الاحتلال قصف في أول أيام عدوانه على جنين في 3 يوليو/تموز 2023، خلال عملية عسكرية أطلق عليها "الحديقة والبستان"، مسجد الأنصار بقذائف مضادة للدروع وجوا عبر طائرات عسكرية مسيرة، بزعم تحصن مسلحين داخله، وادعى عثوره على نفق داخل المسجد، ومختبر متفجرات وعبوات ناسفة جاهزة للاستخدام وأسلحة ومعدات عسكرية.

وأسفر الاجتياح الإسرائيلي الأوسع لمدينة جنين منذ 2002، والذي أنهاه الاحتلال في 5 يوليو/تموز، عن قتل 12 فلسطينيا وجرح أكثر من 100 آخرين، ونزوح الآلاف إلى أماكن آمنة، وتدمير البنية التحتية من شبكات كهرباء وصرف صحي وخطوط مياه وغيرها، وتضرر نحو 80% من المباني في المخيم بشكل كلي أو جزئي، وحرق وتخريب وإتلاف للممتلكات.

كل ذلك وغيره دفع خبراء أمميون، إلى تصنيف الغارات الإسرائيلية على المخيم "جريمة حرب كونها ترقى إلى مستوى الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي والمعايير المتعلقة باستخدام القوة، داعين إلى أن محاسبة إسرائيل بموجب القانون الدولي على "احتلالها غير الشرعي وأعمال العنف التي ترتكبها وتكرسها" في الضفة الغربية المحتلة.

فيما استنكرت المنظمة العربية لحقوق الإنسان، ارتكاب الاحتلال جرائم حرب مركبة تحت سمع وبصر المجتمع الدولي، باستهداف المدنيين والمباني السكنية والمشافي ومنع سيارات الإسعاف والأطقم الطبية من إنقاذ الجرحى، ولم يأبه إلى أن مساحة المخيم لا تزيد عن نصف كيلو متر مربع مكتظ بالسكان، معتبرة ذلك دليلا أن حكومة الاحتلال يقودها دمويين.

ودعا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين العلماء والخطباء والدعاة ومسؤولي وزارات الأوقاف والمساجد والمؤسسات الإسلامية حول العالم، إلى تخصيص خطبة جمعة 7 يوليو/تموز، للتنديد بالاعتداءات الصهيونية في مدينة القدس التي تعاقبت مع العدوان على جنين، مشدّداً على أهمية دور العلماء في استنهاض الأمّة، وحماية مقدّساتها، وتوعيتها بواجباتها.

وجاء ذلك فيما تجاهل الرئيس الحالي لرابطة العالم الإسلامي، في بيانه كافة الجرائم الإسرائيلية، وتجنب تسمية الأشياء بمسمياتها، واكتفى بوصف جرائم الحرب التي يرتكبها الكيان بـ"الانتهاكات"، متحدثا عن أهمية العمل على ما وصفها بـ"مساعي السلام العادل والشامل" وإيقاف كل الممارسات التي تقوض فرص الحل وتدفع ثمنها الأرواح البريئة.

ويأتي بيان العيسى كأحد مؤشرات مساعي التطبيع السعودي مع الكيان، واستكمالا لمسار الانحراف عن الأهداف الحقيقة التي أنشئت من أجلها الرابطة في 1962، والتي كان من بينها حشد المسلمين لمنع قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث عين الملك فيصل، الأمير سلمان بن عبدالعزيز (الملك الحالي) لجمع التبرعات للفلسطينيين بعد حرب 1967.

وتجلى ذلك الانحراف بقوة منذ وصول محمد بن سلمان إلى ولاية العهد في يونيو/حزيران 2017، إذ يُنظر إلى العيسى على أنه أحد أهم أذرعه في إحداث التغيير الفكري والثقافي في مفاهيم وثوابت المجتمع السعودي، وصرف الانتباه عن قضايا الأمة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والتمرير التدريجي للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي.

ولم يخف العيسى تودده المبالغ للإسرائيليين، ومحاورته قيادات دينية يهودية، والتعهد بالتزام المملكة بإعادة جسور الحوار والبناء مع المجتمع اليهودي، إذ زار موقع "الهولوكوست" في معسكر أوشفيتز ببولندا في يناير/كانون الثاني 2020، وأدى صلاة الجنازة على ضحايا "الهولوكوست" (إبادة جماعية ليهود)، وقوبل ذلك بإشادة إسرائيلية واسعة.

وبرر العيسى فعلته، بتجاوزه للمحظور في مقال نشره بمجلة نيوزويك الأميركية، بأنه يهدف إلى الترويج للإسلام الحقيقي، وتباهى بزياته الفاتيكان والكنيس الكبير في باريس ومتحف ذكرى الهولوكوست بأميركا، زاعما أن ذلك ينبع من تقديره الرسمي باعتباره قائدا إسلاميا لإظهار القيادة المسؤولة في كل ما يفعله.

وسبق تلك الخطوة التطبيعية مع الاحتلال عدة خطوات قام بها بن سلمان، منها ادعائه في مقابلة مع مجلة "ذي أتلانتيك" الأمريكية في أبريل/نيسان 2018، أن من حق الشعب اليهودي أن يكون له دولة قومية في فلسطين، وزعمه عدم وجود أي "اعتراض ديني" على وجود دولة إسرائيل، واعترافه بوجود الكثير من المصالح التي يتقاسمها مع إسرائيل.

كما أزالت المملكة في 2021 الآيات القرآنية التي تتحدث عن اليهود وخطورتهم من المنهاج الدراسي، والعديد من الدروس التي تصور اليهود والمسيحيين بـ"غير المؤمنين"، كما تم حذف فصل بعنوان "الخطر الصهيوني" تناول مواضيع مختلفة تتعلق بنزع الشرعية عن حق "إسرائيل" في الوجود وأخرى تتحدث عن الجهاد-بحسب وسائل إعلام إسرائيلية-.