تقارير

الانشقاقات العسكرية تتوالى.. ومنشقون ومعارضون لـ"صوت الناس": نظام بن سلمان يتصدع

تاريخ النشر:2023-08-08

"أنا طارق بن عبدالرحمن الزهراني من منسوبين رئاسة الحرس الملكي، أعلن انشقاقي عن النظام السعودي بسبب ما نراه من تخبطات داخل أروقة البلاط الملكي وعدم محاكمة المجرمين أصحاب النفوذ الذين نراهم بشكل شبه يومي داخل القصور الملكية وبسبب انتهاكات حقوق الإنسان ناهيك عن التهديدات المبطنة للضباط والأفراد تحت مسمى الولاء والبراء وتجديد البيعة.. هذا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته."

بهذه الكلمات أعلن أحد أفراد الحرس الملكي السعودي في 5 أغسطس/آب 2023، انشقاقه عن السلطات السعودية، في مقطع فيديو بثه عبر حساب جديد دشنه على تويتر في يوليو/تموز 2023، عرف نفسه خلاله بأنه "عسكري منشق عن الحرس الملكي السعودي"، ويتابعه عليه أكثر من 4 ألاف مغرد، بينما يكتفي هو بمتابعة ثلاث حسابات رسمية هي الأمم المتحدة، وصحيفة واشنطن بوست الأميركية، ومنظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية.

الزهراني أتبع مقطع إعلان انشقاقه بتغريدة في 7 أغسطس/آب 2023، تبرأ فيها من البيعة، قائلا: "أنا طارق ابن عبدالرحمن الزهراني اقسمت بالله أن أدافع عن الدين والوطن، ولكن بعد خيانة (ولي العهد السعود) محمد بن سلمان للقسم ذاته ونكث العهد وغدر وأجرم بحق المواطنين وسرق أموال الشعب وسجن وقتل أهل الحق وأهل السيرة الطيبة من أبناء هذا الوطن العظيم أقولها وبكل فخر واعتزاز لا بيعة لك، وقريباً جداً راح تسمعون أخبار مفرحة".
وذكر الزهراني، على الحساب الذي يدعي أنه يمثل قبيلة زهران و تبرؤ القبيلة منه قائلا إن قبيله زهران فيها الشرفاء الذين يعلمون علم اليقن استحقار وإهانة شيوخ القبائل في القصور الملكية، وهذا الشيء نراه أمام عيوننا مع الأسف، وتعلمون أن محمد بن سلمان مجرم أكل حقوق الشعب وسجن أهل الحق ودمر البلد".

وأضاف: "كل من يتكلم بأسلوبكم ويدافع عن المجرم هذا فهو مسلوب الكرامة والغيرة، أنظرو حولكم من تدهور الأوضاع في السوشيل ميديا وباسم القبيلة هناك نساء ورجال ساقطين.. الأصح من القبيلة أن تتبرأ منهم قبل أن تتبرأوا مني أخساكم الله يا عديمين الكرامة والغيرة، والله ثم والله أمثالكم راح يذهبون إلى مزبلة التاريخ قريباً مع المجرم محمد بن سلمان".

ووجه الزهراني، رسالة إلى كل حر صنديد من قبيله زهران قال لهم فيها "بن سلمان متسلط عليكم ويرغب في إذلال القبائل بكسر شبابها العاطلين عن العمل وبدعم مالي من الديوان للساقطات المحسوبات على القبيلة لأجل نزع الغيرة من صدوركم فالحذر الحذر".

ولم يكن إعلان الزهراني انشقاقه عن أبرز المؤسسات العسكرية في المملكة السعودية، الأول من نوعه، إذ سبقه انشقاقات أخرى منها ما وقع في أعقاب توالي الإخفاقات في حرب اليمن التي خاضها بن سلمان في مارس/آذار 2015، ومنها ما حدث في مارس/آذار 2023، إذ أعلن ضابط سعودي برتبة عقيد الانشقاق عن الحكومة السعودية.
وبرر المنشقون انشقاقهم عن السلطة السعودية لرفضهم سياسات ولي العهد، واستنكارهم لجنوحها إلى الاندفاع والتهور، وانتقاد الأوضاع الحقوقية والسياسية داخل المملكة، بالإضافة إلى استيائهم من التدهور الحقوقي والإنساني وتزايد الانتهاكات الحقوقية وتعاظم الاعتقالات، إلى جانب عدم محاسبة أصحاب النفوذ المتورطين في ارتكاب جرائم وتبجحهم في الظهور وممارسة مهام عملهم دون حساب.

في 7 مارس/آذار 2023، عرض الضابط رابح العنزي عبر حسابه بتويتر الذي يتابعه عليه الآن قرابة الـ17 ألف مغرد ويعرف نفسه بأنه محلل أمني واستراتيجي وضابط أمن سعودي مدافع عن حقوق الإنسان، مقطع فيديو أوضح فيه أنه ضابط بجهاز الأمن العام، وعرض هويته، معلنا انشقاقه عن النظام السعودي.

ووصف سياسات بن سلمان بـ"التفحيطات"، ونعته بأنه "مجنون أصبح رأسا للدولة، يلعب ويغير ويجرم بالناس، مضيفا: "بن سلمان في حكم فاقد العقل تماما، وذكرت تقارير إعلامية ودولية أنه غير سوي عقليا".

وأوضح العنزي أن ما يدل على ما قاله عن بن سلمان "ما يفعله من مطاردة المعارضين على تويتر، فأجهزة الأمن في كل دول العالم مخصصة للأمن، أما هو فيخصص عشرات الآلاف من الموظفين لمتابعة التغريدات!".  

وفي تصريحات لـ"صوت الناس" قال ضابط الأمن السعودي المنشق والمحلل الأمني والاستراتيجي المدافع عن حقوق الإنسان، إن توالي الانشقاقات في الأجهزة الأمنية والعسكرية السعودية يعني تصدع النظام من الداخل وفقدان الثقة بين الأجهزة الداخلية للدولة، مؤكدا أن هذا الأمر يعد تطور لافت للنظر.

وأشار إلى أن الدولة لطالما ادعت كذباً أنها متماسكة من الداخل، وكانت تفتخر دائما بصلابة أجهزتها الأمنية والعسكرية، مضيفا أن الحقيقة بدأت تتكشف خاصة بعد انشقاقه من وزارة الداخلية بالإضافة إلى عنصر عسكري آخر من جهاز الحرس الوطني؛ إلى جانب ضابط الحرس الملكي.

وتوقع العنزي، توالي الانشقاقات خاصة بعد أن تم كسر حاجز الخوف لدى العسكريين بسبب وجود ضباط وأفراد تم انشقاقهم في الفترة الأخيرة، وقد تحدث هذه الانشقاقات بصور وأشكال مختلفة كالاستقالات الجماعية أو الإضرابات وغيرها، مؤكدا أنه لمس بالفعل داخل الوزارات والمؤسسات الحكومية حالة من الغيظ والحنق.

وأرجع سبب هذه الحالة إلى سياسات الحكومة السعودية الحالية التي تناقض الثقافة الاجتماعية السائدة، فضلاً عن حالة عدم الرضا والغضب بسبب فشل السياسات العامة للدولة على الصعيدين الدولي والمحلي والتي أضرت بالمواطنين بشكل مباشر، مشيرا إلى وجود حالة استنكار غير علني من قبل الضباط والقادة العسكريين والذين ينتقدون السياسة القمعية لولي العهد السعودي التي تعكس مدى جهله وطيشه في كل الملفات.

وقال العنزي، إن كثير من الضباط في مجالسهم الخاصة يتحدثون لمن يثقون بهم عن قصص حقيقية تثبت توحش السلطة الحاكمة عند تعاملها مع قضايا معتقلي الرأي ومنتقدي الدولة فيما يخص حرب اليمن وغيرها من الانتهاكات، مذكرا بانشقاق عسكريين سعوديين في حرب اليمن، دون أن تحظى بتغطية إعلامية بشكل كافي.

وأوضح أن معظم انشقاقات العسكريين التي وقعت خلال حرب اليمن كانت في صورة استسلام جماعي لبعض الوحدات العسكرية أو في صورة غياب وتهرب من الخدمة العسكرية، مؤكدا أن حرب اليمن التي شنها ولي العهد قبل سبع سنوات كانت خاسرة ولم تكن لتحدث لولا تهور بن سلمان وطيشه في اتخاذ القرارات.

وفي 5 مايو/أيار 2023، أعلن المواطن مهند بن علي الصبياني انشقاقه عن الحكومة السعودية ووزارة الحرس الوطني، وعرض في مقطع فيديو تداوله ناشطون على تويتر، اسمه ورقمه العسكري، مرجعا سببا انشقاقه إلى ما شهده من ظلم وافتعال الأكاذيب وإخفاء الحقائق عن المواطن وخوض حروب كاذبة وظلم جميع من ينطق بكلمة الحق وسجنهم وتعذيبهم داخل سجون الدولة.

وكان حزب التجمع الوطني السعودي المعارض، قد دعا في 9 مارس/آذار 2023، المسؤولين والقضاة والضباط والعسكريين ومن يتقلدوا مناصب حساسة ألا يساهموا في أي قرار يضر بالشعب أو بأنفسهم، وأن يحاولوا التغيير من الداخل فإن لم يستطيعوا فعليهم النأي بأنفسهم عن كل ما يلحق الضرر بالشعب أو الشعوب الأخرى سواءً بالاستقالة أو الانشقاق، وأن يبادروا بحماية أنفسهم وحماية الناس من كل أدوات القمع، وحثهم على حفظ حقوق الناس وحُرُمَاتِهم.

وتعقيبا على توالي الانشقاقات في قطاعات القوات المسلحة والأمنية في السعودية، قال عضو حزب التجمع الوطني السعودي المعارض، عبدالله عمر، إنها مؤشر هام على زيادة مستوى الوعي العام في البلاد بخطورة الوضع الحالي وضرورة القيام بالواجب الأخلاقي والوطني في مواجهة منظومة الفساد والقمع كل بحسب استطاعته.

وأضاف في حديثه مع صوت الناس، أن وصول موجة الانشقاق إلى أهم مؤسسة أمنية مسؤولة عن حماية رأس السلطة مثل الحرس الملكي يعد تأكيدا على أن استمرار القمع وضغط الناس بالتزامن مع إغلاق المجال العام بالكامل وتجريم حرية التعبير سيدفع الكثيرين للتفكير في طرق أخرى منها إعلان الانشقاق ومغادرة البلاد لأماكن آمنة يستطيعون من خلالها الحديث والعمل بحرية.

وتوقع عمر، ألا تتوقف إعلانات الانشقاق عند طارق الزهراني، ورجح أن تكون بداية لانشقاقات أكبر ومن شخصيات أكثر أهمية، وستتزايد مع مرور الوقت ومع ثبوت فشل سياسات النظام الحالي للجميع، مؤكدا أن النظام متوتر جدا من مثل هذه الخطوات خوفا من أن تتحول لموجة عامة.

وأشار إلى أن النظام وجه الذباب الإلكتروني لتنفيذ حملات تشويه واسعة ضد كل من يعلن المعارضة خصوصا المنشقين عن السلطة، مؤكدا أن هذا لن يجدي أبدا لأن الشعب السعودي اليوم يسخر من هذه الاتهامات السخيفة التي تتكرر مع كل إعلان انشقاق.

ورأى عضو حزب التجمع أن هذه الانشقاقات تشجع الآخرين على القيام بمسؤولياتهم الأخلاقية والوطنية تجاه شعبهم وبلادهم خصوصا أن أسباب إعلانات المعارضة أو الانشقاق تكاد تكون متطابقة، فالجميع يشتكي من تزايد الاستبداد والقمع وانتهاكات حقوق الإنسان والوضع الاقتصادي.

وأضاف أن الجميع يستنكر أيضا إفلات المتورطين في قضايا الفساد أو انتهاكات الحقوق من العقاب، وتكريمهم كما رأينا مؤخرا مع المستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني، متوقعا أن يكون القحطاني وغيره من المجرمين هم المعنيين بحديث المنشق طارق الزهراني عن استيائه من أصحاب النفوذ في القصور الملكية وعدم محاسبتهم.
وأكد عمر أن هذا غير مستغرب، لأن السلطة هي المسؤول الأول عن هذه الجرائم وهي من تشجع أدواتها على ارتكابها ثم تحميهم من المحاسبة.

وقال: "نحن في حزب التجمع نعتقد أن استمرار سياسات القمع الحالية ينتج عنها بالضرورة استمرار الانشقاقات، وإذا كان النظام يريد الحفاظ على تماسكه فعليه وقف كافة الانتهاكات والاستماع لصوت الناس من خلال قوى المجتمع المدني الموجودة في الخارج والتي تمثل المجتمع بكل مكوناته وتنفيذ الإصلاحات الأساسية اللازمة."

ورأى عضو الحزب بدر الشهراني، أن الانشقاقات المتتابعة التي تحدث في القوات الأمنية السعودية تدل على فضيحة حكومة بن سلمان في مجال حقوق الإنسان، حيث يرجع المنشقون انشقاقهم إلى رفضهم التدهور الحقوقي ويرجحون الإنسانية على المال والمقام، قائلا إن العسكري أيضا إنسان عنده مشاعر حول أبناء جلدته خاصة إذا شاهدهم يدهسون تحت دبابات العنجهية. 

وأكد في حديثه مع صوت الناس، أن انتهاكات بن سلمان لحقوق الإنسان وصلت إلى درجة لا يمكن لأحد أن يتحملها، حتى وصل الحال بقوات الأمن المعنين بحمايته للتخلي عنه، قائلا: "من يكن عنده ذرة من الضمير والوجدان كالعقيد رابح العنزي وطارق الزهراني بالطبع سينشق وينضم إلى صفوف الأحرار ليكن صوت الضعفاء والمقهورين في بلاد الحرمين."

وتوقع الشهراني، أن تكون هذه الحركة المباركة مطلعا لسائر الأحرار في قوات الأمن الذين هم بمثابة الصندوق الأسود لنظام بن سلمان، وسيعرف العالم الوجه الحقيقي له وتكون بداية نهاية آل سعود، مشيرا إلى أن الزهراني ربما كان يقصد بحديثه عن عدم محاكمة المجرمين أصحاب النفوذ الذين يراهم بشكل شبه يومي داخل القصور الملكية، قائمة طويلة من الشخصيات.

وأوضح أن من بين هؤلاء الشخصيات "سعود القحطاني أحد المتورطين في اغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، ورئيس مجلس إدارة الهيئة السعودية للملكية الفكرية وعضو مجلس الوزراء محمد آل الشيخ المشرف على تعذيب المعتقلين في فندق ريتز كارلتون، ورئيس المحكمة الجزائية المتخصصة المعنية بمكافحة ما تسميه السلطة إرهاب عوض الأحمري، وغيرهم آخرين.

وعما قاله المنشق طارق الزهراني بأن من بين أسباب انشقاقه "التهديدات المبطنة للضباط والأفراد تحت مسمى الولاء والبراء وتجديد البيعة"، علق الشهراني قائلا: "نعم هكذا يدار الحرس الملكي وغالبية المنتسبين إليه يفرض عليهم الولاء والمبايعة بالقوة، والدليل أننا نرى السلطات السعودية تقتل وتحكم بالإعدام على كل من لا يرضخ لولاية الملك وابنه المدلل".

وأوضح عضو الحزب الدكتور أبو الجوائز المطاميري، أن ما يحدث من انشقاقات من أفراد العسكر في السعودية له عدة أسباب، منها اختلاف الرؤى السياسية أو المعتقدات الدينية بين أفراد العسكر والقيادات العليا، مما يجعل بعضهم يختلفون وينشقون للانضمام إلى معسكر آخر يتقاسم نفس الرؤى، محذرا من أن ما يقوم به بن سلمان منذ سنوات من تغيير جذري للرؤى الدينية للمجتمع هو ما يؤدي إلى تزداد وتيرة الانشقاقات.

وأشار في مقال على "صوت الناس" بعنوان "الانشقاقات المتتابعة في السعودية: الأسباب والنتائج" إلى أن شعور بعض أفراد العسكر بالاستياء من الفساد أو الظلم داخل النظام العسكري أو حتى ما يرونه من ظلم وفساد في قطاعات المجتمع المدني يدفعهم إلى الانشقاق والانضمام إلى معارضين للنظام الحاكم، مؤكدا أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة تؤثر أيضا على معنويات أفراد العسكر وتشعرهم بالانزعاج وتدفعهم للانشقاق بحثا عن فرص أفضل.