تقارير

إيران تستفز البعض بوصفها الخليج العربي  بـ"الفارسي"

تاريخ النشر:2023-08-21

لقد عُرف السلوك الإيراني في المنطقة العربية بأنه نظام سياسي وكأنه غير آبه للاستقرار في المنطقة من خلال سلوكه تجاه جيرانه من الدول الخليجية والسعودية خاصة، فهذا يظهر جلياً في أقل شيء عند الحديث عن الخليج العربي و وصفه بالفارسي.

وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان ، في زيارته الأولى إلى المملكة بعد اتفاق استئناف العلاقات بين البلدين الذي عقد بوساطة صينية في مارس/آذار 2023 وأنهى 7سنوات من القطيعة بين البلدين، وصف الخليج بـ"الفارسي"و ذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، عقد في 17 أغسطس/آب 2023.
الوزير الإيراني قال: "استمرارا للمحادثات السابقة بيني وبين المسؤولين ورؤساء دول الجوارفي جنوب الخليج الفارسي، طرحت فكرة إجراء الحوار والتعاون الإقليمي، وطرحت هذه الفكرة مع زميلي فيصل بن فرحان" ولم يستنكر الأخير على نظيره الإيراني قوله، بل قال إن الرياض تتطلع لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، للمملكة بناء على دعوة الملك سلمان بن عبدالعزيز.

ملاحظات على السلوك السياسي الإيراني:
ففي الزيارة الأولى لوزير الخارجية السعودي إلى طهران في 17 يونيو/حزيران 2023، وخلال المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره الإيراني بقاعة المرايا بوزارة الخارجية الإيرانية، طلب الوفد السعودي المرافق تغيير مكان انعقاد المؤتمر في اللحظات الأخيرة، بسبب وجود صورة قائد فيلق القدس قاسم سليماني، في مكان انعقاد المؤتمر -بحسب تكهنات إعلاميين-.

وسليماني كان مسؤول بارز لدى النظام الإيراني وساهم في تأجيج التوتر في الدول العربية من خلال وكلاء طهران في المنطقة، واغتاله الجيش الأميركي بضربة صاروخية قرب مطار بغداد الدولي في 3 يناير/كانون الثاني 2020، وأثار فرحة عربية خاصة خليجية بالقضاء عليه، بينما يتعامل معه النظام الإيراني على أنه "الشهيد القائد".

ومؤخرا، تصاعدت حدة الخلاف بين السعودية والكويت من جانب وإيران من جانب آخر، حول حقل الدرة الغازي، وذلك بعد إعلان وزير النفط الكويتي سعد البراك في تصريحات صحافية، في 27 يونيو/حزيران 2023، أن بلاده ستبدأ التنقيب والإنتاج في الحقل، دون انتظار ترسيم الحدود مع إيران التي تسمّيه حقل "آرَش" وتدعي حقا لها فيه، إلى جانب السعودية أيضا.

ورد وزير النفط الإيراني جواد أوجي، بأن بلاده "لن تتحمل أي تضييع لحقوقها" في حقل الدرة، وتبع ذلك تأكيد كويتي سعودي على الحق الحصري في الحقل، قابلته طهران بتأكيد أنها تشترك فيه ولن تتنازل عن حقها وحق شعبها فيه، وهددت بأنها ستتخذ الإجراءات اللازمة في الوقت المناسب.

ولدى النظام الإيراني سجل حافل بالجرائم البشعة التي ارتكبها بحق الأبرياء سواء في سوريا أو العراق، وتصريحاته الاستفزازية المضللة ومواقفه العنيفة تجاه دول الخليج وعمله على تحقيق مشروعه التوسعي بالدول العربية، وغيرها من السلوك الإيراني الذي غالباً ما يظهر نوايا الدول.

وعقب ثلاث أشهر من توقيع الاتفاق السعودي الإيراني، قالت مجلة فورين بوليسي الأميركية، إن خبراء توقعوا أن يؤدي التطبيع بين السعودية وإيران لخفض التصعيد الإقليمي، إلا أن ذلك لم يحدث، إذ لا تزال إيران تصعّد عملياتها في مناطق عدة، من سورية إلى اليمن.

ورأت في تقرير لها في يونيو/حزيران 2023، أن من المبكر الحديث عن خفض التصعيد، مؤكدة أن الإيرانيين يستفيدون من التطبيع لتحقيق مصلحتهم الإقليمية بدلاً من تقليل التوترات.

وخلال زيارة وزير الخارجية الإيراني الذي يعد أكبر مسؤول إيراني يزور المملكة منذ الأزمة بين البلدين عام 2016، التقى مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في مدينة جدة، واستمر لقائهما 90 دقيقة، بحثا خلاله سبل تعزيز التعاون بين البلدين والتطورات الإقليمية والدولية، واستعرضا العلاقات والفرص المستقبلية للتعاون بينهما وسبل تطويرها.

وبينما لم يرد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على الدعوات المتتالية من الملك سلمان له لزيارة المملكة والتي قدمها عن طريق وزير الخارجية السعودي، وافق بن سلمان على زيارة طهران بحسب ما أعلنته وكالة أنباء تسنيم الإيرانية شبه الرسمية على لسان وزير الخارجية الإيراني في 19 أغسطس/آب 2023.

في هذه الأثناء عدد النشطاء والمراقبون الأزمات التي ورط فيها ولي العهد السعودي المملكة بسبب سياساته الفاشلة منها حرب اليمن المستمرة منذ مارس/آذار 2015، والتي تشهد الآن هدنة موقعة في أبريل/نيسان 2023، بعدما تسببت في أسوء أزمة إنسانية واستنزفت ميزانية المملكة.

وأشاروا إلى أن بن سلمان أضاع هيبة المملكة وجعلها مخترقة أمنيا، إذ تمكنت جماعة الحوثي المسلحة المدعومة من إيران في اليمن من قصف المنشآت النفطية السعودية ووصولها لعمق المملكة، لافتين إلى إغراق السعودية بالمخدرات القادمة من إيران عبر حلفائها في سوريا، وهي الجرائم التي مرت بلا عقاب لإيران سواء من السلطة السعودية أو ردع دولي.

واستنكر عضو حزب التجمع الوطني عمر بن عبدالعزيز، الطريقة التي ظهر بها بن سلمان خلال حواره مع عبداللهيان، واكتفى بالإشارة إلى "لغة الجسد"، كما علق على تصريحاته قائلا إن أهم درس تاريخي من إيران كان قصف بقيق وحرب اليمن، وأثبت التاريخ فعلا أن بن سلمان لا يتعلم إلا من الصفعات، لذلك لا يبالي بسخط الشعب وغضبه حتى الآن.

بعض التهم الموجهة لإيران:
لقد سبق أن قال بن سلمان لعبداللهيان: "لقد تعلمنا من دروس التاريخ وسنستفيد منها"، وعلى ذكر دروس التاريخ والاستفادة منها، فإن أبرز ما يسجل في التصريحات التي دأبت السلطات السعودية من أعلى قمتها إلى أسفلها على ترديدها بوجه إيران، تارة بوصفها داعمة للإرهاب، وأخرى بالتهديد بالوصول إلى عمقها الداخلي، وتارات أخرى بمطالبة المجتمع الدولي بردع مشاريعها التوسعية.

وكان أبرزها مطالبة الملك سلمان بن عبدالعزيز، خلال كلمته في القمة العربية الطارئة، التي عقدت بقصر الصفا بمكة المكرمة في مايو/أيار 2019، المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته إزاء ما تُشَكلهُ الممارساتُ الإيرانية ورعايتها للأنشطةِ الإرهابيةِ في المنطقةِ والعالم، من تهديدٍ للأمنِ والسلمِ الدوليين، واستخدام كل الوسائلِ لردعِ هذا النظامِ، والحد من نزعتهِ التوسعية.

ودعا سلمان النظام الإيراني في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، إلى "ترك فكره التوسعي والتخريبي الذي ألحق الضرر بشعبه قبل غيره من الشعوب".

وفي سبتمبر/أيلول 2020، قال سلمان، في خطابه أمام الأمم المتحدة، في دورتها الـ75 في نيويورك، إن إيران استغلت الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع القوى العالمية لتكثيف أنشطتها التوسعية، وتأسيس شبكاتها الإرهابية، وعدم إنتاج شيء سوى الفوضى والتطرف ، داعيا إلى حل شامل وموقف دولي راسخ لمنعها من الحصول على أسلحة دمار شامل، ووقف برنامجها للصواريخ الباليستية، وتدخلها في شؤون الدول الأخرى.

وفي نوفمبر/تشرين الأول 2020، أكد سلمان على خطورة المشروع الإقليمي للنظام الإيراني، معلنا رفضه تدخله في شؤون الدول الداخلية، ودعمه الإرهاب والتطرف وتأجيج الطائفية.  

أما ولي العهد فهو صاحب السجل الأوسع في تصريحاته المناهضة للنظام الإيراني، إذ دأب على مهاجمته في كل ظهور إعلامي له منذ كان وليا لولي العهد وحتى بعدما أصبح وليا للعهد في يونيو/حزيران 2017، وقبل شهر من ولايته للعهد، تساءل في لقاء تلفزيوني: "كيف لنا أن نتفاهم مع النظام الإيراني وهو قائم على إيديولوجية متطرفة؟". قائلا: "نحن نعرف أن السعودية هي الهدف الرئيسي له".

وأضاف بن سلمان حينها إن عهد وثوق السعودية في إيران ولى، مشدداً: "لا يُلدغ المرء من جحر مرتين"، بقوله: "لُدغنا من إيران مرة، المرة الثانية لن نُلدغ. ونعرف أننا هدف رئيسي للنظام الإيراني. الوصول لقمة المسلمين هدف رئيسي لإيران، ولن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية، بل سنعمل لكي تكون المعركة عندهم في إيران وليس في السعودية".

وكان نائب وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، قد أعرب في مقابلة تلفزيونية مع "فايس" نقلتها قناة "العربية" السعودية الناطقة باللغة الإنجليزية في يناير/كانون الثاني 2020، عن قناعاته أن إيران تشكل أكبر خطر على منطقة الشرق الأوسط، مشددا على ضرورة الضغط عليها لتفادي اندلاع نزاع إقليمي أوسع.

استياء واستنكار
وأعرب سعوديون معارضون وموالون للسلطة السعودية عن استيائهم من استخدام ممثل النظام الإيراني مصطلح "الخليج الفارسي" في خطابه من على أرض المملكة، وعدوها إهانة متعمدة لشعوب الخليج العربي من قلب السعودية، مستنكرين عدم اعتراض وزير الخارجية السعودية على قوله وإيضاح موقف بلاده من هذا التوصيف.

عضو حزب التجمع والكاتب ناصر العربي، رأى أن حضور ممثل إيران إلى السعودية وتسمية الأشياء وفق منطق بلاده بمثابة "انتصار ساحق للإيرانيين"، مشيرا إلى أن كل ما تسعى له الحكومة السعودية هو الوصول لتسوية وتهدئة ووعد من إيران بضمان وقف العمليات ضدها من قبل وكلائها.

وأوضح في حديثه مع "صوت الناس"، أن السعودية على يد بن سلمان سمحت لإيران عبر وكلائها باختبار قوتها من خلال حرب اليمن، والتي قدمت بها فرصة لإيران على طبق من ذهب للاشتباك المعلن مع الحكومة السعودية وإعلان معركة صريحة معها عبر ممثلها الحوثي، والتي انتصر فيها الحوثي "واقعيا" من خلال آلة الدعم والتدريب الإيراني. 

وأشار العربي، إلى أن هذا أعطى إيران قوة في خلق توازنات جديدة في المنطقة، حتى أصبحت اليوم في غنى عن إعلان موقف ضد السعودية، ويكفيها أن يعلن وكلائها تهديدا ضد الرياض، مؤكدا أن إيران لا تريد من السعودية شيء سوى الانحناء أكثر وعدم التعرض لها ولمشاريعها خاصة المشروع النووي.

وأرجع أسباب إعادة السعودية علاقاتها مع إيران وحلفائها ووكلائها في المنطقة، إلى رغبتها في تحقيق أقل خسائر ممكنة، وحماية منشآتها النفطية، حيث تعرضت في أقل من 5 سنوات لإطلاق الحوثي أكثر من 100 عملية درونز استهدفت المنشآت النفطية، وتم تدمير أكثر من وحدة نفطية مما يعني تعطيل شريان الاقتصاد السعودية، وتم خفض العمل في محطة أرامكوا في جيزان.

ووصفت عضو حزب التجمع ترف عبدالكريم، استخدام وزير خارجية إيران مصطلح "الخليج الفارسي" في تصريحاته بالمؤتمر بـ"المناكفة السياسية"، وعدتها محاولة إثبات الأحقية في المنطقة، متسائلة: "إذا لم يكن الاتفاق السعودي الإيراني واضحاً بخصوص مسمى كالخليج، فكيف سيكون حال الاتفاق على قضايا كبرى كحقل الدرة وحرب اليمن؟".

وقالت في حديثها مع "صوت الناس": "كما نعلم أن في السياسة لا صداقة ولا عداوة دائمة بل مصالح دائمة"، مذكرة بأن بن سلمان كان يصف النظام الإيراني سابقاً بالمتطرف ويرفض التفاوض معه، ولطالما اشتكت الرياض منذ مدة طويلة من الدعم الإيراني للمجموعات المسلحة في المنطقة.

وتساءلت ترف: "هل ستساهم عودة العلاقات الدبلوماسية بالرعاية الصينية على الاستقرار في المنطقة مع تسارع الإنجاز في الملف النووي الإيراني، هل ستنجح إيران في إثبات حسن نواياها في المنطقة؟!"، مؤكدة أن طرفي الاتفاق كلما ابتعدا عن المرونة في حل قضاياهم فلن تحدث عودة العلاقات فرقاً يُذكر.
ومن داخل السعودية كتب الإعلامي محمد دغريري: "مفاهيم غلط.. ما فيه شيء اسمه الخليج الفارسي، من متى والخليج العربي يسمى الفارسي؟ ولا فيه شيء اسمه دولة إسرائيل، ومن متى أصبحت خارطة فلسطين دولة باسم بني صهيون؟".

ورأى المغرد متعب القحطاني والذي يضع مكان صورته الشخصية في حسابه بتويتر صورة للملك سلمان ونجله، أنه "كان لابد الاعتراض على وزير الخارجية الإيراني عند تسميته الخليج العربي بالخليج الفارسي".

تعصب إيراني
وتجدر الإشارة إلى أن النظام الإيراني لا يترك مناسبة عالمية يستخدم فيها مصطلح "الخليج العربي" إلا ويتخذ موقفا صلبا متعصبا تجاه مستخدم تلك التسمية، ويعلن تمسكه بمصطلح "الخليج الفارسي" ما يجعل تصريحات الوزير الإيراني الأخيرة من المؤتمر المشترك الأول مع نظيره السعودي، بعيدة عن العفوية ويؤكد أنها متعمدة لإرساء مبدأ وتمسك بقاعدة.

وكان أقرب المواقف الإيرانية المتصلبة في يناير/كانون الثاني 2023 حين أعلنت إيران اتخاذها "إجراءات لازمة" بعد استخدام رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، تسمية "الخليج العربي" عوضا عن "الفارسي"، في بطولة كأس الخليج بنسختها الـ25 التي تستضيفها البصرة.

واعترض الاتحاد الإيراني لكرة القدم، على تسمية البطولة باسم "الخليج العربي" بدلاً من "الخليج الفارسي"، كما قدم مذكرة احتجاج إلى رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بهذا الخصوص، وأدانت ما وصفته باستخدام اسم مستعار للقب التاريخي للخليج الفارسي في الكأس.

وفي مايو/آيار 2006، خلال لقاء بين الرئيس الإيراني أحمدي نجاد وأمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني أثناء افتتاح دورة أسيان الدوحة، قال بن خليفة إن "نجاح منتخب إيران في مونديال 2006 سيسعد سكان الخليج الفارسي العربي"، فرد عليه نجاد "أعتقد أنك كنت تقرأ اسمه الخليج الفارسي عندما كنت بالمدرسة".

وفي مايو/أيار 2012، انتقدت إيران شركة غوغل لما وصفته بالتجاوز المسيء الذي مارسته في خدمة خرائطها الشهيرة "غوغل مابس" بسبب حذفها اسم ما تصفه بـ"الخليج الفارسي" من خريطة الممر المائي الذي يفصل الهضبة الإيرانية عن شبه الجزيرة العربية المعروف باسم الخليج العربي.

وفي مايو/أيار 2013، قدم الاتحاد الإيراني لكرة القدم شكوى إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم ضد الإمارات، بعد قرار لجنة دوري المحترفين الإماراتية تغيير اسم الدوري المحلي لكرة القدم من "دوري اتصالات" إلى "دوري الخليج العربي" اعتبارا من موسم 2014، واستند في اعتراضه إلى اعتراف الأمم المتحدة منذ 1994 بأن الاسم الرسمي للخليج الذي يطل عليه البلدان هو الخليج الفارسي.


المصادر
الكويت ستبدأ التنقيب في حقل غاز الدرة دون انتظار الترسيم مع إيران
عبد اللهيان: بن سلمان قبل الدعوة لزيارة طهران
الملك سلمان: النظام الإيراني مستمر في تجاوز القوانين الدولية ولابد من اتخاذ موقف حازم
العاهل السعودي يدعو النظام الإيراني إلى "ترك فكره التوسعي والتخريبي"
محمد بن سلمان: النظام الإيراني قائم على إيديولوجية متطرفة ويسعى للسيطرة على العالم الإسلامي
محمد بن سلمان: لن نُلدغ من إيران مرتين.. وسنعمل لتكون المعركة عندهم وليس في السعودية
نجل ملك السعودية يوضح جذور الخلاف بين بلاده وإيران