تقارير

خبراء فلسطينيون يتحدثون لـ"صوت الناس" عن مؤشرات التقارب السعودي الإسرائيلي

تاريخ النشر:2023-09-06

"هناك المزيد من الدول العربية والإسلامية أبدت اهتماما بتطبيع العلاقات مع إسرائيل".. بهذه الكلمات أنهي وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي إيلي كوهين، زيارته الرسمية للبحرين التي توصف بأنها "حديقة خلفية" للمملكة السعودية كونها بالون اختبار للقرارات التي تعتزم السلطات السعودية فعلها وفق مراقبون.

ونتج عن زيارة الوزير الإسرائيلي الأولى من نوعها للبحرين، في 3 سبتمبر/أيلول 2023، والتي استمرت يومين، افتتاح مقر سفارة للكيان المحتل في المنامة، وتوقيع مزيد من مذكرات التفاهم بين الجانبين وجملة من الاتفاقيات التجارية، وزيارة قاعدة الأسطول الخامس الأمريكي في البحرين.

وجاء تصريح الوزير الإسرائيلي عن اهتمام دول عربية وإسلامية بالتطبيع مع كيانه في أعقاب تزايد التكهنات حول اتفاق دبلوماسي مُحتمل بين الاحتلال الإسرائيلي والمملكة السعودية، نتيجة الحراك الدبلوماسي الأميركي الجاري على قدم وساق لتمرير التطبيع قبل نهاية ولاية الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، وإجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024.

ويأتي تصريح وزير خارجية الاحتلال، ضمن سلسلة تصريحات أخرى تهيئ فيها الشعوب إلى التطبيع، منها ما قاله في مقابلة أجراها مع القناة 12 التلفزيونية الإسرائيلية، قال فيها إن إسرائيل " أقرب حاليا من أي وقت مضى إلى اتفاق سلام مع المملكة العربية السعودية"، لكنه تهرب من الإجابة حين سئل عن إمكانية الاستجابة للمطالب التي وضعتها السعودية.

وكانت السعودية قد طالبت بالموافقة على إنتاج طاقة نووية سلمية داخل الأراضي السعودية، وتجميدِ البناء في المستوطنات والتقدم في المفاوضات مع الفلسطينيين؛ وعد مراقبون مراوغة الوزير الإسرائيلي بأنها دليلا على عدم استعداد إسرائيلي لتلبية المطالب السعودية سواء المتعلقة بالشق الفلسطيني، أو تلك المُتعلْقة، بمجال الطاقة.

ونقلت مواقع إسرائيلية عن أربعة مسؤولين أميركيين وفلسطينيين، أن كبير مستشاري الرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك، سيلتقي هذا الأسبوع في السعودية وفداً فلسطينياً رفيعاً، ليناقش معه ما يمكن أن يحصل عليه الفلسطينيون في إطار اتفاقية تطبيع بين المملكة و"إسرائيل".

وأفادت بأن الوفد وصل المملكة في 5 سبتمبر/أيلول 2023، وسيجري محادثات مع كبار المسؤولين السعوديين بشأن مسألة التطبيع.

وكان مصدر فلسطيني، قد كشف أن وفدا فلسطينياً برئاسة أمين سرّ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ، سيزور المملكة، موضحا أن المطالب الفلسطينية للسعودية هي تطبيق مبادرة السلام العربية وتحويل عضوية فلسطين إلى العضوية الكاملة في الأمم المتحدة مقابل التطبيع مع إسرائيل -بحسب العربي الجديد-.

وبذلك، فإن من المقرر أن يلتقي مسؤولين أميركيين وفلسطينيين مع نظرائهم السعوديين لمناقشة اتفاق تطبيع محتمل بين المملكة والاحتلال، إذ سبق زيارتهم زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، للمملكة لنفس الأهداف، مما يؤكد تمسك واشنطن بدورها لتمرير التطبيع وتستعجل تحقيقه.

وأرجعت تقديرات صحفية استعجال الرئيس الأميركي تمرير التطبيع السعودي الإسرائيلي، إلى مساع الإدارة الأميركية لإنقاذ رئيس حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة بنيامين نتنياهو، الذي يعاني من أزمات داخلية وخرجت مؤخرا احتجاجات واسعة ضده اضطرت إلى تجميده الانقلاب القضائي، والذي يرى أيضا أن التطبيع سيحل معظم مشاكله الداخلية والخارجية.

وفي أعقاب الحراك الدبلوماسي الحاصل لتمرير التطبيع السعودي الإسرائيلي، وصلت بعثة رياضية إسرائيلية إلى الرياض، في 4 سبتمبر/أيلول للمشاركة في البطولة العالمية لرفع الأثقال المقامة، تمهيدا للمشاركة في دورة الألعاب الأولمبية العام المقبل، وتضم البعثة ثلاثة رباعين في ثلاث فئات من الأوزان وخمسة مرافقين.

والبطولة مقامة في الرياض من 3 إلى 17 سبتمبر/أيلول 2023، وتعقيبا على تنظيم المسابقة في السعودية، قال رئيس اتحاد رياضة رفع الأثقال في إسرائيل بافيل كولوسافسكي، إن إحدى معايير تنظيم المسابقة تحت إشراف اللجنة الأولمبية واتحاد المصارعة العالمي، هي أن يلتزموا بالسماح لكافة المتسابقين من كافة الدول للدخول إلى بلدهم وبالطبع التنافس.

وأضاف: "لذلك لم يكن هناك أي معارضة من جانب السعوديين، إنما العكس، هم يتعاونون بشكل كامل معنا ويراسلوننا كل يوم، نحن بالطبع نرسل لهم كافة المعطيات والوثائق المطلوبة حتى نتيح وصول بعثتنا بسلام والخروج بسلام".

تلك الصورة عن العلاقات السعودية الإسرائيلية "الطيبة" التي يمعن المسؤولين الإسرائيليين في إيصالها والتأكيد تصريحا وتلميحا على وجود تواصل فعلي بين الجانبين، تفضحها مواقف السلطات السعودية والتي كان أبرزها السماح لطائرة قادمة من جزيرة سيشيل تقل 128 راكباً إسرائيلياً بالهبوط اضطراريا في مطار جدة على البحر الأحمر في 28 أغسطس/آب 2023.

وسمح لهم بقضاء ليلتهم في فندق تابع للمطار واستقبالهم بترحاب واسع وود وفق شهادات الركاب التي تلقفها الإعلام الإسرائيلي وتعامل معها على أنها مؤشر لانفتاح المملكة على التطبيع، وخرج نتنياهو مقدما الشكر للسعودية، ومعربا عن تقديره لما وصفه بـ"المعاملة الدافئة" التي أبدتها السلطات السعودية تجاه الركاب الإسرائيليين الذين تعسرت رحلتهم.

وسبق تلك الخطوة تعيين المملكة في 12 أغسطس/آب 2023، نايف بن بندر السديري، سفيرا لها فوق العادة غير مقيم في الأراضي الفلسطينية، وسيتولى أيضا منصب القنصل العام في مدينة القدس، في منصب جديد لم يكن موجود مسبقا، وهو ما اعتبره الإعلام الإسرائيلي مقدمة لإعلان التطبيع وبادرة حسن نية للفلسطينيين لتقليص تأثير القرار.

كما رأى مراقبون القرار بمثابة تقدم خطوة نحو التطبيع مع الاحتلال، ومد الجسور مع الكيان، وسعى للعب من ميدان فلسطين خاصة أنه ملعب يلعب فيه كل من يريد الفوز منذ نكبة 1948 إلى الآن، وبدء للسير في مسار إعلان العلاقات وإبرام الاتفاق الرسمي مع تل أبيب برعاية أميركية كما فعلت سابقيها من الدول الخليجية التي دخلت بيت الطاعة الإسرائيلي.

وكشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، عن عرض المملكة السعودية استئناف تمويل السلطة الفلسطينية التي يرأسها محمود عباس، ناقلة عن مسؤولين فلسطينيين وسعوديين مطلعين على المناقشات حول التطبيع، قولهم إن ذلك إشارة على أن المملكة تبذل جهدا جديا للتغلب على العقبات التي تحول دون إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.

الكاتب السياسي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية الدكتور مأمون أبو عامر، أشار إلى أن الخطوات السعودية المتسارعة تجاه السلطة الفلسطينية، ومنها دعوة عباس لزيارة المملكة في أبريل/نيسان 2023، وتعيين سفير سعودي في فلسطين، والحديث عن دعم مالي للسلطة الفلسطينية، يأتي بالموازاة مع صفقة سعودية أميركية لتطبيع العلاقات مع الاحتلال.

ورأى في حديثه مع "صوت الناس" أن مجمل ما يدور من حديث حول التقارب بين السلطات السعودية والفلسطينية يعطي مؤشر على أن المملكة ماضية باتجاه تطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي من خلال البوابة الفلسطينية التي تعد البوابة الرسمية التي سيدخل منها السعوديين حيز التطبيع الرسمي مع الكيان.

وأضاف الكاتب السياسي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، أن السلطة الفلسطينية لا تبدي اعتراضا على التطبيع السعودي الإسرائيلي كما أبدت في اتفاقيات أبرهام التي جرت بين الكيان الإسرائيلي وكلا من الإمارات والبحرين في 2020، وتسير في اتجاه الصمت على تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية.

وقال إن هناك إشارات رمزية بالاتجاه نحو إعلان التطبيع الرسمي بين الاحتلال والسعودية ومنها السماح لطائرة الركاب الإسرائيليين بالهبوط في مطار جدة، والتي صنفت كنوع من فتح الجسور وبوابات التلاقي وتطبيع الوصول بين الرياض وتل أبيب، مؤكدا أن كل مساع التطبيع لن تنجح إذا تمسكت الرياض بمبادرة السلام العربية في ظل الحكومة اليمنية.

وأشار أبو عامر، إلى أن الاحتلال ربما يقدم تنازلات لتمرير التطبيع لكنها حتى وإن حدثت ستكون "شكلية"، لأن الكيان لن يتنازل بشكل أو بآخر عن أي جزء من الأراضي الفلسطينية، والضفة الغربية ولا عن مشروع اجتثاث الدولة الفلسطينية التي قال نتنياهو إنه يريد أن يقطع الطريق على تطلعات الفلسطينيات لإقامتها.

وقال الكاتب والمحلل السياسي المختص بالقضايا الفلسطينية والإقليمية الدكتور حسام الدجني، إن الموقف السعودي تجاه القضية الفلسطينية تحكمه مجموعة من الثوابت عبر عنها جميع ملوك السعودية أهمها: أن السعودية تدعم القضية الفلسطينية ومع قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.

وأضاف في حديثه مع صوت الناس، أن وفق ما سبق فإن التطبيع الذي تعمل الولايات المتحدة على إنضاجه بين المملكة وإسرائيل يعترضه مجموعة من التحديات على المستوى الداخلي والخارجي، داخلياً بأن المملكة تريد أن توظف الرغبة الأميركية للتطبيع مع إسرائيل بما يخدم رؤيتها.

وذكر الدجني بأن رؤية المملكة 2030 التي أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان، يشكل التحول نحو الطاقة النووية السلمية أحد أهم ركائزها للانطلاق بالمشروع النهضوي السعودي وانعكاساته على المنطقة، مشيرا إلى أن هذا ما ترفضه إسرائيل بسبب الخشية من تغيير سياسة النظام السعودية تجاهها وأن مفعال نووي قد يستخدم لأغراض عسكرية.

وأضاف أن هذا يعني اختلال في موازين القوى بالشرق الأوسط، وهو ما ينطبق أيضاً على شراء الأسلحة من الولايات المتحدة، موضحا أن التحديات الخارجية التي تواجه التطبيع الإسرائيلي السعودي أن المملكة من منطلق مكانتها كدولة قائدة للعالم الإسلامي ومكانتها الدينية في الوعي الجمعي، فإن تخليها عن القضية الفلسطينية أمراً ليس سهلاً.

وأوضح الدجني، أن تخلي المملكة عن القضية مغامرة غير محسوبة على المستوى الاستراتيجي، وهو ما تعمل عليه في الضغط لتحقيق مكتسبات سياسية لصالح القضة الفلسطينية، بما يعزز دفع المسار السياسي وتحسين الواقع الاقتصادي، ووقف الاستيطان وحماية المقدسات.

وأكد أن ذلك يتعارض مع توجهات الحكومة اليمينية الصهيونية، قائلا إن وفقا لكل ما سبق فإن تطبيع السعودية ما زال يعترضه تحديات وقراره في حال اتخذ دون دراسة معمقة تتجاوز ما يريده نتانياهو بترسيخ مبدأ السلام مقابل السلام بدل الأرض مقابل السلام فإن في ذلك أخطار استراتيجية على السعودية ومكانتها وأثر كبير على القضية الفلسطينية.

وتوقع الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني عبدالله العقاد، في حديثه مع "صوت الناس"، أن يبقى التطبيع السعودي الإسرائيلي باردا إذا فرض على السعودية، مشيرا إلى وجود ضغط أميركي كبير ومتواصل على المملكة للدخول في تطبيع مباشر مع الكيان الصهيوني، إلى جانب استرضاء السلطة الفلسطينية بما يضمن هامش أمان لخطوات ستُقدم عليها الرياض في تطوير علاقاتها بالاحتلال.