تقارير

إصرار سعودي أميركي على مواصلة مساع التطبيع رغم تصعيد العدوان على غزة

تاريخ النشر:2024-01-11

وسط بث يومي لمشاهد مرعبة مما خلفه العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتصعيد الاحتلال قصفه على الضفة الغربية وتوسيع دائرة حربه ووصولها إلى جنوب لبنان، يتحدث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، عن فرصة تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، ويؤكد ذلك السفير السعودي في بريطانيا.
وزير الخارجية الأميركي أعلن عقب زيارته للمملكة العربية السعودية في 8 يناير/كانون الثاني 2024، ولقائه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في خيمته الشتوية على مشارف مدينة العُلا، وقبل زيارته إلى تل أبيب، أنه ناقش في السعودية مسألة التطبيع مع "إسرائيل" وتنسيق الجهود لمرحلة ما بعد الحرب في غزة، مؤكدا وجود اهتمام واضح بالسعي للتطبيع.

وفي تطابق مع تصريح بلينكن، قال السفير السعودي في لندن خالد بن بندر بن عبد العزيز، في مقابلة مع شبكة "بي بي سي" البريطانية، في اليوم التالي لزيارة وزير الخارجية الأميركي للسعودية، إنّ بلاده "لا تزال مهتمة بالتطبيع مع إسرائيل بعد انتهاء الحرب على غزة"، مشدد على أن ذلك "لن يكون على حساب الفلسطينيين". 
وكان بن سلمان قد أفاد قبل نحو أسبوعين من عملية طوفان الأقصى التي انطلقت منذ أكثر من ثلاثة أشهر ضد الاحتلال الإسرائيلي، في مقابلة باللغة الإنجليزية مع قناة "فوكس نيوز" الأميركية، ونقلتها قناة "الإخبارية" السعودية، بأن محادثات التطبيع مع إسرائيل قائمة وأن المملكة تقترب كل يوم إليه، إلا أن الحرب الإسرائيلية على غزة أعاقت مساع التوصل لاتفاق.
واستبق بن سلمان تصريحاته هذه بتماهي مع الاحتلال الإسرائيلي منذ وصوله إلى ولاية العهد في يونيو/حزيران 2017، إذ قال في تصريحات لمجلة "ذا أتلانتيك" الأميركية، في 2 أبريل/نيسان 2018، إن السعودية تتقاسم الكثير من المصالح مع "إسرائيل"، ووصف اقتصادها بالقوي مقارنة بحجمها.
وأضاف في سياق رده عما إذا كان يؤمن بحق الشعب الإسرائيلي في الحصول على جزء من الأراضي: "إنه يعتقد أن من حق الفلسطينيين والإسرائيليين العيش على أراضيهم"؛ وجاءت تصريحات بن سلمان التي غازل فيها الاحتلال وتحدث عن حقوق الإسرائيليين وبشر بالتطبيع مقترنة بهجوم على جماعة الإخوان المسلمين حيث وصفها بأنها "جزء من ثالوث شر".
وأتبع ذلك وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود، بقوله في مقابلة افتراضية عبر تقنية "فيديو كونفرانس" أجراها مع معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، في أكتوبر/تشرين الأول 2020، إن التطبيع مع إسرائيل سيحدث في نهاية المطاف، في إطار خطة سلام فلسطينية إسرائيلية.
كما قال في مقابلة مع وكالة "رويترز" على هامش قمة زعماء مجموعة العشرين في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، إنّ بلاده "كانت دائماً داعمة للتطبيع الكامل مع إسرائيل"؛ وزعم في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الأميركية في أبريل/نيسان 2021، أن التطبيع سيعود بـ"فائدة هائلة" على المنطقة.
وقرن ولي العهد والمسؤولون السعوديون تصريحاتهم عن الاتجاه نحو التطبيع الكامل مع الاحتلال الإسرائيلي بإقرار اتفاق سلام دائم وكامل يضمن للفلسطينيين دولتهم، لكن على عكس تلك العبارات المنمقة التي يلصقوها بتمهيدهم لإقامة علاقات رسمية مع الاحتلال فإن حديثهم اليوم يأتي بينما تشتد وتيرة الحرب الإسرائيلية والإبادة للفلسطينيين.
فقد دخلت الحرب على قطاع غزة يومها الـ96، وأعلنت وزارة الصحة في غزة في 10 يناير/كانون الثاني 2024، ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي إلى 23 ألفا و357 شهيدا، بالإضافة إلى 59 ألفا و410 مصابين، فيما أفادت بلدية غزة بأن الاحتلال حول القطاع لمنطقة منكوبة وتعمد تدمير كامل المرافق المدنية والانسانية والخدماتية.
كما يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي غاراته الجوية وقصفه المدفعي مستهدفا عدد من الأحياء والمنازل السكنية شرقي ووسط مدينة خان يونس ومخيمات المحافظة الوسطى بالتزامن مع استمرار محاولات القوات الاسرائيلية التوغل في عمق هذه المناطق وسط اشتباكات ضارية مع المقاومة الفلسطينية.

وفي الضفة الغربية، ينفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي اقتحامات واسعة لمدن وبلدات ومخيمات، طالت مدن جنين، وطولكرم، ونابلس شمالي الضفة، ومخيم عين السلطان قرب أريحا، ورام الله والبيرة (وسط)، وبلدات بمحافظتي بيت لحم والخليل (جنوب)"، وينشر قناصيه على أسطح البنايات، وارتفع عدد الشهداء منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول إلى 341.  
وفي 5 يناير/كانون الثاني 2024، أعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، أنّ "90 يوماً من الحرب الوحشية والتهجير القسري اليومي المتواصل في قطاع غزة أجبر 1.9 مليون شخص، أي 90% من السكان، على النزوح عدة مرات في أنحاء القطاع، مشيرة إلى أن 1.4 مليون شخص يحتمون في منشآت تابعة لها. 
وتوسيعا للحرب، نفذ الاحتلال اغتيالات في لبنان، وشن غارات مكثفة على بلدات عدة في جنوب لبنان، بينها الناقورة وجبل اللبونة وجبل بلاط، وقتل شخص وأصيب آخر في غارة إسرائيلية استهدفت منزلاً في بلدة كفر شوبا، في 10 يناير، بالتزامن مع تصاعد التوتر على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، بين الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله اللبناني.
وبدوره، استنكر الأمين العام السابق لحزب التجمع الوطني يحيى عسيري، مواصلة السلطات السعودية هرولتها نحو التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي ومناقشة ما بعد حرب غزة على مختلف المستويات في ظل الوحشية الدموية والقصف العنيف والتدمير الرهيب الذي يحصل في غزة ومحاولات تفريغها من أهلها وتهجير الفلسطينيين.
وأعرب في حديثه مع "صوت الناس" عن استيائه من تصريحات بلينكن وتطابقها مع حديث بن فرحان، منددا بالترويج للتطبيع مع الاحتلال في ظل تحرك بعض الدول والكيانات لمعاقبة إسرائيل على جرائمها بغزة، ومنها دولة جنوب أفريقيا التي رفعت دعوى ضد الكيان أمام محكمة العدل الدولية وانضمت لها دول أخرى ودعمتها، ليست السعودية من بينها.
ورأى عسيري، أن مناقشة وزير الخارجية الأميركي "ما بعد غزة" خلال جولته الشرق أوسطية والتي كان من بينها زيارته للسعودية افتراض أن "إسرائيل" انتصرت على الشعب الفلسطيني في غزة ثم يتم نقاش ما بعد هذه الأحداث، مؤكدا أن هذا لا يمكن وصفه إلا أنه "انحياز تام للاحتلال عدو بلادنا والإنسانية". 
وعن أسباب عدم إظهار السلطات السعودية تسامحا مع الفلسطينيين وخاصة حركة المقاومة الإسلامية حماس وإقامة علاقات جيدة معها كما تسعى للتطبيع مع الاحتلال، ذكر الأمين العام السابق لحزب التجمع بأن حماس كانت ممثلة في السعودية بشكل شبه رسمي بوجود الدكتور محمود الخضري وكانت السلطات السعودية تتعامل معها.
وأوضح أن السلطات السعودية عندما بدأت مسيرتها في مسلسل التطبيع العلني مع الاحتلال اعتقلت الخضري في 2019 وكل المجموعات المحسوبة على حماس، ووجهت لهم تهم كيدية، وأصدرت عليهم أحكام مشددة، دون أن تطلب منهم مغادرة البلاد، في تصرف منافي للقوانين والأعراف الدولية، واصفا ذلك بأنها عملية غدر وخيانة لهم.
وأضاف عسيري إن "السعودية عندما تقوم بهذه التصرفات فهي تثبت بشكل كبير تحالفها التام مع دولة الاحتلال الصهيوني، وإن كانت حتى الآن لم تفتح سفارات، ولكن افتتاح السفارات هو الإعلان الرسمي للتطبيع، أما التطبيع السري فهو قائم منذ زمن ونعلم أن السعودية تقيم علاقات تجارية وسياسية واستخباراتية مع الاحتلال".
وأشار إلى أن من بين العلاقات السرية التي تقيمها السعودية مع الاحتلال الإسرائيلي ما تعرض له هو وغيره من اختراقات عبر شركات تجسس إسرائيلية تتجسس عليهم لصالح النظام السعودي، لافتا إلى أنهم رفعوا قضايا لاتزال منظورة أمام المحاكم البريطانية.
وردا على سؤال حول حقيقة الأهداف التي تسعى السعودية لتحقيقها من وراء التطبيع مع الاحتلال، أكد عسيري أن الأمر له علاقة بالحصول على الرضا الأميركي، قائلا: "أثبتت الأحداث الأخيرة أن صانع القرار ليس رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأن من يدير المعركة هي الإدارة الأميركية بشكل واضح وأنها أكثر حماس لها من الإسرائيليين".
وقال إن هدف أميركا والدول التي زرعت الاحتلال هي تفتيت المنطقة وإضعافها وألا يكن هناك أي قوى ضغط، ولذلك عمدت سابقا لزراعة عدد من عملائها كي تضمن وجود شرطي لها تستخدمه لضمان عدم نهوضها سياسيا واقتصاديا وعسكريا، حال تحررت الشعوب وبات لديها ديمقراطية ومثلت تمثيلا حقيقيا أو عندما يصبح هناك يقظة ضمير لدى الحكومات.
وأضاف عسيري: "أميركا تعتبر سلام إسرائيل أولوية لها في المنطقة، ولهذا تبادر الحكومات المهترئة التي تشعر بالضعف للتطبيع لضمان بقاء علاقتها بأميركا وحمايتها"، متابعا: "حينما تكون هناك حكومات لا تملك أي شرعية على الأرض وغير معترف بها، وإنما تملك شرعية القوة والأمر الواقع فإنها تخشى على وجودها فتحاول استرضاء أميركا لضمان بقائها ويظنون أن هذا الاسترضاء يمر عبر بوابة الاحتلال الصهيوني".

وأكد عضو الحزب عبدالله عمر، أن ملف التطبيع لم يمت أو ينتهي، وكان واضح في معظم التصريحات الحكومية السعودية أنه "مشروع مؤجل" وأنه سيحدث لكنها مسألة وقت وظروف بمجرد انتهاءها سيتم، مشيرا إلى أن بن سلمان لم يتراجع عن موقفه الذي أعلنه قبل 7 أكتوبر بأسابيع معدودة بأن السعودية تقترب من إسرائيل كل يوم.
وقال في حديثه مع "صوت الناس"، إلى أن تصريحات بن سلمان بعد 7 أكتوبر لم تتضمن أي تلميح حتى لاحتمالية التخلي عن مشروع التطبيع، مضيفا أن "العنوان الرئيسي في الموقف السعودي، التطبيع بعد نهاية الحرب، لكن التغيير الذي حدث هو صعوبة أن يتم التطبيع مع تهميش الشعب الفلسطيني بالكامل كما كان مخططا قبل بدء الأحداث الأخيرة".
وتابع عمر: "لذلك نرى حديث عن فتح مسار (قد) ينتهي بحل الدولتين، وأظن المقصود بهذا المسار هو حكومة واحدة للضفة وغزة، وبحسب تصريح بلينكن فإن دولا عربية ستدعم هذه الحكومة وسيتزامن مع ذلك وعود بمسارات تنتهي مستقبلا بحل الدولتين، وهو المسار الفاشل الذي نشأ في أوسلو ولا جدوى من تكراره".
وذكر بموقف حزب التجمع الذي حذر من التطبيع مع الاحتلال من الأساس، ومن التورط في مشاريعه في غزة تحديدا بهدف توفير غطاء عربي لمخطط تصفية القضية الفلسطينية بحجة إعادة الإعمار أو قوات سلام، معربا عن أسفه من سير السلطة السعودية بهذا الاتجاه، وتمنى وقف كل هذه المشاريع واحترام موقف الشعب السعودي بأغلبيته العظمى وتمثيله في سياسات السلطة في هذه القضية، وفي كل القضايا.

ورأى عضو الحزب ناصر العربي، أن الحكومة الأميركية في عهد الرئيس الأميركي جو بايدن، تريد تحقيق نجاح وهمي بإكمال رعاية عملية التطبيع العربي مع الاحتلال الصهيوني، خاصة مع دخول المرحلة الأخيرة من حكم بايدين، متوقعا أن يمضي بن سلمان قدما في التطبيع مع الاحتلال كما صرح به مرارا وتكرارا.
وقال في حديثه مع "صوت الناس" إن بن سلمان يعتقد أن طوفان الأقصى عطلت وتيرة المفاوضات وعملية التطبيع وأنها قوّضت مشروعه مع المحتل، موضحا أن الموقف السعودي الرسمي من الحرب على غزة ينقسم إلى قسمين الأول يندد عبر البيانات المحدودة لوزارة الخارجية ويتحدث عن ضرورة إيقاف العنف في غزة. 
وأشار إل أن القسم الآخر هو دعم المحتل في إبادة أهل غزة عبر وسائل الإعلام المحلية والمحسوبين على بن سلمان والذين يرددون هذه التصريحات، إضافةً إلى عدم السماح بإظهار حالة التضامن الشعبي مع الفلسطينيين، بل يتم قمعها، مؤكدا أن الموقف العربي بقيادة السعودية يسير نحو التطبيع وربما بشروط أقل من التي طلبها بن سلمان من الأميركيين.
وقال المحلل السياسي في الشؤون الشرق أوسطية عرابي الرنتاوي، إن بلينكن مُصر على إدماج "إسرائيل" في المنطقة، حتى بعد كل هذه الجرائم الإرهابية وحروب الإبادة والتطهير العرقي، مشيرا إلى أن السفير السعودي يظهر من لندن ليؤكد ما ذهب إليه الوزير الأميركي الفخور بيهوديته وصهيونيته، لكنه -السفير- يفتح قوسين للحديث عن مسار ينتهي إلى دولة فلسطينية وإدماج حماس فيها.
وأضاف في تغريدة على حسابه بمنصة إكس، أن الوزير والسفير يعلمان علم اليقين أن لا دولة ولا "دولتين"، وأن ما سيتبقى هو "المسار" ذاته الممتد في التاريخ لأكثر من ثلاثين عاماً، وما سيبقى في الأرض هو التطبيع المجاني، ونحن الذين اعتدنا أن ندفع الثمن مسبقاً وأن نتخلى عن أوراقنا سلفاً قبل أن نقبض شيئاً، وغالباً من دون أن نتحصل على شيء.
وتابع الرنتاوي: "بالمعنى الأخلاقي والإنساني والقومي والديني، لا أدري بأي عين يمكن لمسؤول عربي ومسلم ولأي إنسان حر وشريف في العالم، أن يصافح يداً قتلت أكثر من عشرة آلاف طفل وثمانية آلاف امرأة فلسطينية"، مؤكدا أن ٧ أكتوبر أعادنا إلى صراع الوجود وإلى المعادلة الصفرية: نحن أو هم، وبخلاف ذلك تضليل متعمد، سذاجة، أو ضحك على الدقون.
 

وأضاف حسن نافعة الرئيس السابق لقسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة  تغريدة له منصة إكس أنه" ما تزال التصريحات الرسمية حول استمرار حرص السعودية على التطبيع مع إسرائيل غامضة ولا تصب في مصلحة القضية الفلسطينية. الأفضل للجميع أن تؤكد السعودية بوضوح قاطع، ودون لف أو دوران، أنه لا تطبيع للعلاقات بين السعودية و إسرائيل قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة. هل هذا صعب؟