مقالات

آلاء ..ستبقى خالدة وذكراها متقدة

الكاتب/ة ترف عبدالكريم | تاريخ النشر:2024-06-19

نويت أن أكتب قبل أسابيع مقالًا عن “في معنى أن تكون مناضلًا، حُرًا وشريفًا”، إن كنت في داخل البلاد هذا يعني أنك تعمل بالخفاء وفق إجراءات أمنية تكنولوجية في محاولة منك لحماية نفسك من الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، وتنتابك نوبات فزع كلما خيل لك أن الباب حين يطرق بشدة فهي مداهمة أمنية، تمسح من هاتفك باستمرار كل صورة لمعتقل رأي وكل كتابة عنه أو حوله، تخفي عن أصدقائك وأقاربك حقيقة توجهك ربما، وتعمل بعد أن أخذت بأسباب الأمان واستودعت الله نفسك واستعدّيت لأي طارئ.

وكذلك الأمر لمن هاجر واختار منفاه ليعليَّ صوته حتى يصل صدى صوته لأبعد نقطة، قد لا يخشى الاعتقال ولكن ثمة احترازات أمنية تتخذ حتى مع وجود اللجوء السياسي، خوفًا من الاغتيال أو الاختطاف أو على أقل تقدير جميعنا لسنا في منأى عن أن يوافي أحدنا الأجل وهو في المنفى، وحينها يكون القدر، وهنا تكمن شجاعة اختيار السير في هذا الطريق الشاق، فجميعنا في مركب واحدة ونعاني من ويلات الاستبداد وجرائم الطغاة وهدفهم التصفية وتكميم أفواه من يحاول التصدي لهم، ونحن هدفنا واحدا مهما اختلفنا أو تباين موقعنا الجغرافي، وهو الوقوف في وجه المستبد ما استطعنا في محاولة لاجتثاثه والدفع باتجاه الديمقراطية واستعادة حقوقنا المسلوبة، ولكل شيءٍ ضريبة.

ها أنا ذا أجدني أكتب كلمات مقتضبة دون توسع، لكي أدون بعض ما يعتريني من مشاعر تختلج بها صدري من ألم يعتصرني ونوبات بكاء تراودني.

هذه الكلمات استثنائية وكتابة قد لا تشبه المقال التقليدي، أسطرها بحق مناضلة باسلة رفعت لواء الدفاع عن معتقلي الرأي وحقوق الإنسان عاليًا لترحل عن هذه الدنيا الصاخبة بكل شيء والمؤقتة في آن، رحلت وهي لم تدر ظهرها للقضية الفلسطينية قط، بنفس عمر أهل الجنة غادرتنا إلى حيث تنتهي المعاناة وإلى ذلك النعيم المقيم الذي لا يكدره صفو ظالم أو طاغية، حيث توجد العدالة المطلقة السرمدية، إنها العزيزة آلاء الصديق التي أكتب عنها الآن وأنا ما فتئت الصدمة تلعب بمشاعري وتعبث بذاكرتي بين تصديق وتكذيب، أقرأ الخبر وأردد بسري اللهم لا اعتراض وكل شيء عنده بمقدار، وأدعو لها بالمغفرة ولنا بالصبر والسلوان بينما أذرف الدموع اكذب الخبر وأظنه كابوسًا يجب أن أستيقظ منه بولوج وسائل التواصل، فإذا بي أقف مبصرة وبلا غشاوة على عيني، فإذا بالنبأ الصادم واقعًا لا لبس فيه جاثمًا همه على صدري “آلاء في ذمة الله وفي دار الحق” فتفيض عيناي بالدموع مرة أخرى.

آلاء المتعاونة حد التسامح والتشجيع والثناء على من يعمل معها، المؤمنة بقضيتها الإنسانية لم تكسر عزيمتها الظروف ولم تنال منها كل المحاولات المغرضة لتشويه حقيقتها النقية والصادقة.

نعم، رحيلها كان فاجعة لنا جميعاً معشر النشطاء والبشر الأسوياء الذين مشينا ومازلنا يدًا بيد الحق ضد الظلم والباطل وبمحاذاة الحقيقة، موجوعين من فجأة الشر هذه والمصيبة التي حلتّ بنا ولكن علينا أن نصمد ونواصل المسير وجميعنا سنواجه نفس المصير المحتوم، فإذا كان كذلك فليكن ونحن أنقياء شُم الأنوف متحدين وأكثر عزيمة وإصرار وثبات.