النظام الاجتماعي والتركيبة السياسية في الواقع الإسلامي ماقبل الحديث يختلف بشكل لايمكن معه التبسيط المخل عبر قياسه على النظام الحديث ولا قياسه على النظام الأوروبي أو الشرقي الأقصى القديم أو في القرون الوسطى المرتبطة بالتاريخ الغربي.
أقول هذا لكيلا نسمح لأنفسنا بالقياس على الوضع الحديث وتشكيلاته المختلفة. واستحضر هنا دراسات استشراقية وعربية مختلفة تقع في مأزق أولي حين تحاول تحليل الواقع الاجتماعي والتركيب السياسي في الواقع الإسلامي ماقبل الحديث وتخرج بنتائج من قبيل أن الطبقة الفلانية مفقودة، وأن العنصر الاجتماعي الفلاني مسيطر وأن النظام السياسي المعين يحتكر كل شيء.
مع الدولة الحديثة في العالم الإسلامي –فيما يبدو لي- وُلِدَتْ ظاهرة غير مسبوقة في تاريخنا الذي أعرفه، هذه الظاهرة تشهد على تحوّلٍ كبيرٍ في التعامل مع الفقه والفقهاء.
هذه الظاهرة الجديدة هي بروز “فقهاء المؤسسة الرسمية”.
وينبغي عليّ أن أوضحها قبل أن أزعم أنها ظاهرة غير مسبوقة.
فقهاء أو علماء المؤسسة الرسمية هم العلماء الذين ارتبطوا بالعلوم الشرعية وبمناهجها الخاصة ودراسة العلوم، وطريقتها وتقاليدها العريقة فيما يتعلق بالتدريس، ولكنهم تحوّلوا لجزء من مؤسسة محددة، معيّنة من قبل الجهاز التنفيذي والإداري في الدولة وبالتالي أصبحوا جزءاً من أجهزتها (وأحياناً أجهزتها الأمنية) ويصرف لها المال من خلاله، ويمكن عزل بعض أعضائها في حالات “غضب سياسي” أو حتى ربما “مزاج سيء” تجاه قضية ما، وتحوير الفتاوى واستحلابها وطلبها حسب التوجه السياسي والمزاج الشخصي لصاحب القرار.
ليس المهم هنا أنهم أعضاء في “مؤسسة” بل المهم في تعريفهم أنها أعضاء مؤسسة “رسمية” بمعنى أنه يتم التعامل معها بوصفها مؤسسة حكومية تخضع لضوابط أي مؤسسة حكومية وترضخ لشروط واضعها ومؤسسها ومنفذها والذي يعيّن أعضاءها ويعزلهم بإرادته المحضة، ويصرف عليهم المال ويدير شئونهم ويضع لهم الموازين والقوانين التي تخصهم، وقد يسحب الصلاحيات في حالة ما أو يرفع من تلك الصلاحيات في لحظة أخرى طبقاً لشروطه الخاصة.
هذا ليس تعريفاً علمياً بل محاولة شرح تبسيطي لموضوع “فقهاء المؤسسة الرسمية”.