استفزت القمة العربية في دورتها الـ32 التي اختتمت أعمالها في مدينة جدة السعودية في 19 مايو/أيار 2023، كافة الشعوب العربية المناهضة للديكتاتورية والاستبداد وعلى رأسها الشعب السوري، بعدما بسطت السجاد الأحمر لرئيس النظام السوري بشار الأسد، ومنحته الفرصة ليتكلم من على منبرها بعد أكثر من عقد من تعليق عضويته.
القمة غاب عنها عدد كبير من رؤساء الأنظمة الحاكمة ومنهم الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، وأمير الكويت نواف الأحمد، وسلطان عمان هيثم بن طارق، وملك المغرب محمد السادس، ورئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، ورؤساء كل من الجزائر ولبنان، والعراق، وجزر القمر، فيما اقتصر حضور أمير قطر تميم بن حمد على الجلسة الافتتاحية.
الديوان الأميري القطري، أفاد بأن بن حمد، غادر بعد ترؤس وفد بلاده في القمة، دون أن يوضح أسباب مغادرته، لكن مراقبون ومحللون وناشطون أرجعوا انسحابه إلى تجنب الاستماع لكلمة بشار الأسد، وتمسكا بموقف بلاده الرافض لتطبيع العلاقات مع النظام السوري، واستعمالا لحق قطر السيادي في تطبيع العلاقات الثنائية.
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أعلن في اختتام أعمال القمة، تبنّي المشاركين "إعلان جدة"، والذي أكد أهمية تكثيف الجهود للتوصل لتسوية عادلة للقضية الفلسطينية، والتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية عربياً، وعلى المبادرة العربية سبيلاً لحلها.
وأكد الإعلان على ضرورة وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية، واحترام قيم وثقافات الآخرين، واحترام سيادة واستقلال الدول وسلامة أراضيها، ورفض دعم تشكيل الجماعات والمليشيات المسلحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة.
وادعى رئيس النظام السوري، أنه يتطلع إلى مرحلة جديدة للعمل العربي، للتضامن لتحقيق السلام في المنطقة والتنمية والازدهار بدلاً من الحرب والدمار، داعيا إلى استثمار ما وصفها بالأجواء الإيجابية الناشئة عن المصالحات التي سبقت القمة.
وقال إن العرب أمام "فرصة تاريخية" من أجل إعادة ترتيب البيت العربي بمعزل عن التدخلات الخارجية؛ وبحث على هامش القمة مع ولي العهد السعودي العلاقات الثنائية بين البلدين، والتطورات في الساحة العربية.
القمة برمتها منذ بدايتها وحتى خاتمتها، وما شهدته من حفاوة بالأسد بداية من الدولة المستضيفة للقمة مرورا بكافة الحاضرين، وكلمته التي لم يبد فيها تراجعا عن سياساته قيد أنملة أو اعتذارا عن جرائمه بحق شعبه منذ عام 2011 والتي كانت سببا في تعليق عضويته بالجامعة العربية طوال 12 عاما، أثارت موجة غضب واستياء واسع على كافة الأصعدة.
إدانة سعودية
وبدوره، أدان حزب التجمع الوطني السعودي، مشاركة الأسد في القمة العربية، وعدها انتكاسة جديدة على المستوى المحلي والإقليمي، مذكرا بموقف الحكومة السعودية طوال العقد الماضي ومنذ مطلع الثورات العربية المناهض لنظام الأسد الذي أسرف في سفك الدماء وهجّر ثلث الشعب السوري.
وأكد أن التطبيع مع الأسد بمثابة إعادة إحياءه بعد عزلة عاشها بسبب فظاعة جرائمه ضد الشعب السوري، ومساهمة من النظام السعودي بشكل سلبي في دعم نظام الأسد وقمع الشعب السوري وأحلامه بالحرية والعيش الكريم بعد أن تم بالاتفاق في جامعة الدول العربية قبل ١٢ سنة على تجميد عضويته.
وتعقيبا على ما أسفرت عنه قمة جدة، قال الأمين العام السابق لحزب التجمع يحيى عسيري: دعونا إلى تجنب الصراعات وتجنيب المنطقة صراعات الطغاة فوق رؤوس الشعوب، فدعوا لـ"حضيضٍ" للطغاة لتوحيد الجهود ضد الشعوب، وتحديد العدو المشترك (الحرية)، وتوجيه الصراع يدًا واحدة ضد شعوبنا ومنطقتنا، مضيفا: "القتلة في القمة العربية يد واحدة للتصهين والقتل".
واكتفى الأمين العام للحزب الدكتور عبدالله العودة، بالإشارة إلى أن قمة جدة جمعت المنشار والكيماوي /البراميل المتفجرة؛ والمنشار لقب أطلق على بن سلمان عقب تورطه في اغتيال الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده في تركيا في أكتوبر/تشرين الأول 2018-، بينما الكيماوي والبراميل المتفجرة يطلق على الأسد بعد قصف شعبه بهم.
وذّكر عضو الحزب عبدالله الجريوي، بخطاب سفير المملكة في الأمم المتحدة، عبدالله المعلمي، في الأمم المتحدة، في ديسمبر/كانون الأول 2021، الذي أطلقه تحت عنوان "لا تصدقوهم" أكد فيه رفض الرياض فكرة أن تحذو حذو دول عربية اتخذت خطوات لتطبيع علاقاتها مع دمشق، وطالب العالم بعدم التصديق أن الحرب في سوريا انتهت".
وعرض مقطعين فيديو الأول لكلمة المعلمي، والآخر لاستقبال ممثلي النظام السعودي للأسد بمطار الملك عبدالعزيز الدولي، وتسائل: "الحين وش نسوي نصدقهم ولا ما نصدقهم؟"، ساخرا من طفولية الدبلوماسية السعودية وتذبذبها في اتخاذ القرارات في عدة قضايا منها العلاقات مع تركيا وقطر والحوثي.
وأكد عضو الحزب الدكتور أبو الجوائز المطاميري، أن بن سلمان يشابه بشار في الاستيلاء على ثروات البلد وسحق المواطن بالإجراءات القمعية وتغيير الهوية.
غضب سوري
وأعلنت إدارة الشؤون السياسية التابعة لحكومة الإنقاذ السورية، رفضها إعادة الأسد للجامعة العربية ومشاركته والوفد المصاحب له في قمة جدة، مستنكرة كل محاولات تعويم النظام السياسي، وغسل جرائمه أو التنازل عن دم الشهداء وملف الأسرى، والمفقودين، وحقوق المهجرين واللاجئين.
وأشارت في بيان لها عقب القمة، إلى أن الثورة السورية تتعرض لتحد خطير يتمثل في محاولات إقليمية حثيثة -برعاية إيرانية- لغسل سجل جرائم النظام السوري الموثقة في كل سجلات المؤسسات الحقوقية والإنسانية بالصوت والصورة، والعمل على إعادة إبرازه في الساحة السياسية.
وأكدت إدارة الشؤون السياسية التابعة لحكومة الإنقاذ، أن الأسد ومنظومته لا تمثل سورية شعبا -ودولة- وأن كل محاولات تسويق النظام وإعادته لمشهد السياسة العربية لن تغير من حقيقة وحشيته لدى الشعب السوري، قائلة: "أننا لن نتنازل عن خيار مقاومته حتى محاسبته هو وجميع أفراد منظومته الإجرامية".
الكاتب السوري بسام جعارة، استنكر حديث وزير الخارجية السعودي عن دعم التعافي الاقتصادي في سوريا، متجاهلا المجازر والبراميل والكيماوي والمعتقلين، قائلا إن الحقارة تظهر عندما يبررون مساندتهم لسفاح الشام بالحديث عن رفع المعاناة عن الشعب السوري.
وتساءل: "هل يستطيع المطبعون الاستمرار في الكذب عن مبادرة الخطوة خطوة بعد أن قال لهم سفاح الشام بصوت عال أن مايحدث في أي بلد هو شأن داخلي وبالتالي فإنه يستطيع ارتكاب المجازر ولايحق لأحد أن يتدخل!".
وأكدت السياسية السورية عالية منصور، أن حضور الأسد للقمة "لن ينتج أي حلول، بل سيعطي النظام السوري هامشا للمناورة في الكثير من المواضيع، وعلى رأسها الكبتاغون وقضية اللاجئين".
وعرض الناشط السوري عمر مدنية صور عدة للأسد في أحضان قادة دول مختلفين، الأولى وهو يحتضن المرشد الأعلى الإيراني على خامنئى، والثانية يعانق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والثالثة يضم فيها رئيس الإمارات محمد بن زايد، أما الرابعة فكانت لتقبيله ولي العهد السعودي.
وعلق على الصور مقتبسا من كلمة بشار في اجتماع القمة، قوله: " الأحضان عابرة، وربما ينتقل الإنسان من حضن إلى حضن آخر لسبب ما".
وأكد السياسي السوري مصطفى سيجري، أن القمة العربية أوضحت حقيقة "المبادرة العربية" القائمة على إعادة تدوير الأسد والتجاوز الكامل على حقوق الشعب السوري وعلى القرارات الدولية، وقد نسوا أن سوريا ليست تونس أو اليمن، وأن الحفاظ على وحدة سوريا يستوجب تجاوز الأسد لا تجاوز الشعب، والشمال السوري المحرر مازال يمتلك الخيارات.
استنكار واستياء
وانتقد كتاب وصحفيون وإعلاميون وناشطون وشيوخ ومحللون سياسيون، ما حملته القمة العربية في طياتها من أحداث وما تبعها من قرارات، وبرز الاستنكار الواسع للحفاوة التي استقبل بها بن سلمان الأسد، واحتضانه له على أبواب مقر انعقاد القمة بمركز الملك عبدالله الدولي للمؤتمرات في جدة، والاستنكار الواسع للتطبيع مع الأسد وفرضه عربيا ودوليا.
واستهجنوا انضمام بشار الأسد إلى فريق منتقدي تركيا والإخوان المسلمين، بذريعة التحذير من المخاطر المحيطة بالعالم العربي، وقوله: "إن المخاطر لا تبدأ عند جرائم الاحتلال الصهيوني المنبوذ عربيًا بحق الشعب الفلسطيني، ولا تنتهي عند خطر الفكر العثماني التوسعي المطعم بنكهة إخوانية منحرفة"، مؤكدين أن هجومه إبراء لذمتهم.
ووجه الأمين العام المساعد لرابطة علماء المغرب العربي أحمد الحسني الشنقيطي، رسالة إلى قمة جدة، أكد فيها أن استضافة السفاح بشار الأسد من الحرام المعلوم حرمته من الدين بالضرورة، ولا عذرَ لحاكم في ذلك القرار، ولا عذر لعالم في عدم الإنكار.
وعرض عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور وصفي أبو زيد، صورة يظهر فيها الأسد مصافحا رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي وعلى جانبهما رئيس النظام التونسي قيس سعيد، قائلا: "يبدو في الصورة ثلاثة من السفاحين والطغاة فيما يسمى اجتماع القمة العربية 32".
وأوضح أن إثنين ممن يظهرون في الصورة فازا بلقب سفاح وهما "السيسي وبشار"، مشيرا إلى أن سعيد ينظر إليهما نظرة بؤس لعله يندم على مسيرته إن لم يكن مثلهما في القتل وسفك الدماء، لكنه يتعوض ذلك بالاعتقال وتجفيف منابع الحرية في تونس الخضراء.
وأعرب رئيس تحرير صحيفة المصريون جمال سلطان، عن استيائه من قول الأسد في كلمته بالقمة إن الأهم هو ترك الأمور الداخلية في الدول لشعوبها، قائلا: " هذا المجرم لم يترك ميليشيا طائفية في العالم لم يأت ويستعين بها على قتل شعبه وتشريده وحماية كرسيه، من لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان، فضلا عن الجيش الروسي والحرس الإيراني، هذا يتعاطى حشيشا مغشوشا بالتأكيد".
وخاطب المحامي والسياسي السوري رديف مصطفى، الملوك والرؤساء والأمراء العرب باستثناء الأسد الذي وصفه بالمجرم، قائلا: "نحن نعلم بأن هناك أربعة عواصم عربية تحتلها إيران فهل تخبرونا بعاصمة عربية واحدة عربية تحتلها تركيا حتى تسمحوا لشخص يتباهى بعمالته لإيران وروسيا بأن ينظر عليكم عن الأتراك، والعثمانيين والإخوان وخطرهم؟".
ورأى الكاتب والصحفي الأردني ياسر أبو هلالة، أن لا خدمة للإخوان ولا العثمانيين مثل أن يهاجمهم الأسد الذي وصفه بـ"الوضيع ابن الوضيع وسليل عائلة الإجرام"، قائلا: "لك أن تتخيًل ما فعله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في بلده، وبشار في بلده خلال عقدين من حكمهما.
وعلق الكاتب المصري أحمد عبدالعزيز، على انتقاد الأسد للأتراك والإخوان، بالقول: "والله إذا كان التوسع العثماني المطعم بنكهة إخوانية منحرفة سيمحوك ونظامك الطائفي من الوجود، فأهلا بالتوسع العثماني، ومرحبا بالانحراف الإخواني"، مضيفا: "ألا لعنة الله عليك وعلى من والاك، وعلى من دعاك إلى هذه القمة".