تقارير

مقدمات للتطبيع.. تعيين سفير سعودي في فلسطين يثير الغضب 

تاريخ النشر:2023-08-14

بينما تسعى الولايات المتحدة الأميركية برئاسة جو بايدن للدفع بقوى متسارعة نحو تحقيق تطبيع معلن بين المملكة العربية السعودية والاحتلال الإسرائيلي قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في 2024، وتتسرب أنباء عن اقتراب تحقيق ذلك، يتصاعد الرفض العربي والاستنكار الواسع لأي شكل من أشكال التطبيع مع الكيان.

المملكة عينت في 12 أغسطس/آب 2023، نايف بن بندر السديري، سفيرا لها فوق العادة غير مقيم في الأراضي الفلسطينية، وسيتولى أيضا منصب القنصل العام في مدينة القدس، في منصب جديد لم يكن موجود مسبقا، وهو ما اعتبره الإعلام الإسرائيلي مقدمة لإعلان التطبيع وبادرة حسن نية للفلسطينيين لتقليص تأثير القرار.

فيما رأى مراقبون أن القرار بمثابة تقدم خطوة نحو التطبيع مع الاحتلال، ومد الجسور مع الكيان، وسعى للعب من ميدان فلسطين خاصة أنه ملعب يلعب فيه كل من يريد الفوز منذ نكبة 1948 إلى الآن، وبدء للسير في مسار إعلان العلاقات وإبرام الاتفاق الرسمي مع تل أبيب برعاية أميركية كما فعلت سابقيها من الدول الخليجية التي دخلت بيت الطاعة الإسرائيلي.

وغداة إعلان السعودية هذه الخطوة التي كانت الأولى من نوعها، قال وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي إيلي كوهين، إن "القرار جاء مدفوعا بإحراز تقدم في مفاوضات التطبيع بين إسرائيل والسعودية.. يريد السعوديون التوضيح للفلسطينيين أنهم لم ينسوهم، لكننا لا نسمح للدول بفتح قنصليات، هذا يتعارض مع مواقفنا". 

وجاءت الخطوة قبل أيام من مشاركة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في قمة ثلاثية بمدينة العلمين المصرية مع ملك الأردن عبد الله الثاني، ورئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، مقررة في 14 أغسطس/آب 2023 "تبحث كل ما له صلة بالشأن الفلسطيني والتطورات الدولية والإقليمية الحاصلة وانعكاساتها على مجمع الأوضاع في المنطقة والشرق الأوسط" -وفق تصريح سفير فلسطين بمصر دياب اللوح-.

وفي خضم الحديث المتزايد عن جهود تحقيق تطبيع قريب بين الرياض وتل أبيب، قدم الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني ياسر الزعاترة، قراءة تفصيلية عما تسربه الصحافة الغربية، وتحدث عن احتمالات وتداعيات تطبيع السعودية، مشيرا إلى أن تعيين سفير سعودي (غير مقيم) لدى سلطة رام الله؛ هو جزء من مقدمات التطبيع.

ولفت في تغريدة مطولة على حسابه بتويتر، إلى أنهم في رام الله وفي تل أبيب قالوا ذلك علنا أو سرّا، مؤكدا أن ذلك صحيح بالطبع، لكن كثرة المقدمات قد تعكس صعوبة المساومات أكثر من حسم النتيجة، وربما إرادة شراء الوقت بانتظار هوية القادم إلى البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية المقررة في 2024.

وأوضح الزعاترة، أن الرئيس الأميركي يلاحق الملف بهستيريا عجيبة، وهواجس إرضاء اللوبي تحرّكه، وإبعاد السعودية عن الصين يحمّسه، لكن المساومة صعبة، قائلا: "الصهاينة ليس لديهم ما يقّدمونه للفلسطينيين كمجاملة تمنح السعودية بعض التبرير، وهم وقحون على هذا الصعيد (قال قائلهم إن البناء الاستيطاني لن يتوقّف لثانية واحدة)".

ولفت إلى أن الصهاينة لا يُبدون تسامحا حيال مطالب (الرياض) العسكرية من واشنطن (النووي في مقدمتها)، مؤكدا أن في ضوء ذلك كله، وفي ظل الوضع الإقليمي والدولي الراهن؛ يمكن القول ببساطة إن القراءة الدقيقة تؤكد أن أضرار التطبيع (على السعودية) أكثر من منافعه على كلّ صعيد، لا سيما أن خيارات امتلاك القوة بكل أشكالها تبدو مُتاحة، وتجربة إيران (وهي الهاجس طبعا) أكبر دليل، مع العلم أن الظرف الدولي الآن أفضل.

ورأى الزعاترة، أن أضرار التطبيع السعودي الإسرائيلي على القضية الفلسطينية لن تكون كارثية؛ كما يذهب كثيرون (رغم سوئها طبعا)، متوقعا أن تبقى سياسات عصبة رام الله -في إشارة إلى السلطة الفلسطينية- هي الأكثر كارثية، وحين يتجاوزها الشعب الفلسطيني سينجح في قلب الطاولة، وإعادة تصويب البوصلة.. تماما كما فعل بعد موجة تطبيع واسعة بعد "أوسلو"، وذلك حين فجّر "انتفاضة الأقصى"، صيف العام 2000.

وأكد أن كل تطبيع عربي أو إسلامي مع "الكيان" هو مُدان دون تردّد، أو تفريق بين طرف وآخر، ونقل عن المستشرق الصهيوني إيال زيسر، قوله في "إسرائيل اليوم" إن من شأن اتفاق إسرائيلي سعودي أن يكون المسمار الأخير في نعش المسألة الفلسطينية ويعيدها مئة سنة للوراء، معقبا بالقول إن هذا "وهمٌ كبير، لكنه تذكير لمن تورّط أو سيتورّط في التطبيع".

فيما عقب الناشط الفلسطيني الإنساني أدهم أبو سلمية، على ما يُسرب في الإعلام الصهيوني يومياً من أحاديث عن اقتراب التطبيع مع هذه الدولة أو تلك، قائلا: "أيًا كانت دقة هذه التصريحات؛ تبقى الحقيقة الثابتة أن "التطبيع خيانة"، وأن الأنظمة المطبعة إنما تحرق نفسها وتُهين مكانتها وموقعها، وأن الذين طبعوا لم يجنوا من تطبيعهم إلا الذل والعار.

وقال رئيس لجنة الحريات والدفاع عن الأسرى الشيخ كمال الخطيب: "إذا كان -رئيس الإمارات- محمد بن زايد، قد أقرّ ضمن بنود اتفاقية التطبـيع مع إسرائيل بحق اليهود بالصلاة في المسجد الأقصى، وقد أكد ذلك توماس  فريدمان السفير الأمريكي السابق في تل أبيب، فهل سيقرّ -ولي عهد السعودية- محمد بن سلمان في بنود اتفاقية التطبيع مع إسرائيل بحق اليهود في بناء الهيكل في ساحات المسجد الأقصى؟!".

وأضاف: "بلسان كل فلسطيني وكل عربي وكل مسلم نقول لابن زايد وابن سلمان وللإسرائيليين الذين طبّعوا معهم: هو المسجد الأقصى حق خالص للمسلمين وليس لليهود حق ولو في ذرة تراب فيه، أما اتفاقياتكم فبلّوها واشربوا ميّتها.. الانتصار للمسجد الأقصى المبارك شرف لا يستحقه المطبّعون.. نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا".

وكانت الإمارات قد طبعت علاقاتها رسميا مع الاحتلال الإسرائيلي في 13 أغسطس/آب 2020، بتوقيع ما يسمى اتفاق أبرهام، وبه أصبحت أول دولة خليجية تطبع مع الكيان المحتل، وثالث دولة عربية، بعد مصر عام 1979 والأردن عام 1994. 

ووصف عضو حزب التجمع الوطني السعودي المعارض الدكتور أبو الجوائز المطاميري، هرولة بن سلمان والنظام في السعودية للانبطاح للكيان الغاصب "خيانة للأقصى"، مؤكدا أنها فيها بشارة بأن نصر الله قريب.

وأضافت أن السعودية تحاول أن تثبت أنها مع فلسطين لكن لا يصدقها إلا السذج فكل محاولاتها لتطبيع العلاقات مع إسرائيل تحت غطاء دعم فلسطين.

ورأى الصحفي اليمني عبدالله بن عامر، أن تعيين السعودية سفيراً لها لدى السلطة الفلسطينية مؤشر على حالة التقدم في مفاوضات التطبيع برعاية أميركية، فالمملكة تريد أن تبدو حريصة على انتزاع بعض الحقوق للفلسطينيين لتقول للعالم الإسلامي أنظروا لم أنسى القضية وها هم الفلسطينيون أنفسهم مستفيدون من عملية التطبيع كما لم يحدث من قبل.

وذكر الكاتب المغربي والباحث في الشأن الفلسطيني هشام توفيق، السعودية بأن نتنياهو قال قبل التطبيع الرسمي مع الإمارات وعقد اتفاق أبراهام في أميركا وهو يخطب أمام قادة الإمارات: "لن نقدم أي شيء للإمارات خصوصا في موضوع الضم"، مؤكدا أن الكيان لن يقدم أي تنازلات لصالح فلسطين مقابل التطبيع مع السعودية، وأن خطة أبراهام عبرة.