تقارير

خبراء يتحدثون لـ"صوت الناس" عن أسباب إصرار النظام السوري على تهريب "الكبتاغون" للسعودية

تاريخ النشر:2023-08-28

بينما يعرب مسؤولين بريطانيين عن قلقهما من احتمالية تدفق مخدر "الكبتاغون" من سوريا إلى بلادهم، وتتصاعد المطالب باتخاذ إجراءات لإيقافه، وترفض فرنسا التطبيع مع رئيس النظام السوري بشار الأسد وتتحدث عن خطر المخدرات، تلتزم السعودية الصمت أمام الكميات الضخمة التي يتوالى تهريبها ومحاولة إدخالها إلى أراضي المملكة بطرق عدة ملتوية.
"الكبتاغون مادة مخدّرة تسبب الإدمان الشديد يستخدمها المتعاطون في أنحاء الشرق الأوسط، ونسبة 80 بالمئة من إمدادات العالم من هذه المادة تُنتج في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري بسوريا، وتمثل تجارة المخدرات شريان حياته، إذ يثري أعضاء الدائرة الداخلية المحيطة بالأسد والمليشيات وتجار الحرب -بحسب ما أكدته تقارير أجنبية-.
وتشمل صناعة المخدرات في سوريا مراحل الإنتاج والتهريب كافة، من عملية التصنيع التي تنتج بشكل أساسي حبوب "الكبتاغون" المشتقة من مادة الأمفيتامين المنشطة والمسببة للإدمان، إلى مراكز التوضيب حيث تجهز الحبوب وتخبأ للتصدير، وصولاً إلى شبكات التهريب التي تتولى بيعها في الأسواق الخارجية وخاصة الخليجية.
وتكتفي السلطات السعودية بالتباهي بقدراتها على إحكام الرقابة الجمركية على وارداتها وصادراتها، وتمكنها من إحباط محاولات تهريب كميات هائلة من حبوب الكبتاغون المخبأة في مختلف أنواع الواردات للمملكة، وكنوع من التحفيز تخصص المملكة مكافأة مالية لمُبلّغ عن محاولات التهريب في حال صحة معلومات البلاغ. 
في 13 أغسطس/آب 2023، كشفت هيئة الزكاة والضريبة والجمارك في ميناء جدة الإسلامي عن تصديها لتهريب 2,242,560 حبة كبتاغون، بعد العثور عليها مُخبأة أسفل طبقات علب "البقلاوة" التي تشتهر سوريا في صناعتها، وذلك بعد أيام قليلة من إعلان مديرية العامة لمكافحة المخدرات في السعودية ضبط 1,394 مليون قرص من الكبتاغون، مخبأة في شحنة مكنات كهربائية داخل مستودع بالرياض.
وتزامن الإعلان عن الضبطيات مع عرض قناة سكاي نيوز لقاء حصري مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، قال فيه إن "تجارة المخدرات كعبور وكاستيطان هي موجودة لم تتوقف دائماً هذه حقيقة، ولكن عندما يكون هناك حرب وضعف للدولة، فلا بد أن تزدهر هذه التجارة، هذا شيء طبيعي، ولكن من يتحمل المسؤولية في هذه الحالة هي الدول التي ساهمت في خلق الفوضى في سوريا وليست الدولة السورية".
ويعاكس تبرؤ الأسد الأرقام المعلنة، إذ سبق وأكدت السفارة البريطانية في لبنان أن النظام السوري يستفيد من تجارة مخدر الكبتاغون بـ57 مليار دولار سنويا، وذلك غداة إدراج وزارة الخزانة الأمريكية في مارس/آذار 2023، ستة أشخاص على قائمة العقوبات بالتنسيق مع السلطات البريطانية، بينهم اثنان من أبناء عمومة الأسد، على خلفية "دورهم في إنتاج وتهريب الكبتاغون".
وبالرغم من ذلك، فقد فكت السلطات السعودية العزلة المفروضة على النظام السوري وطبعت علاقاتها رسميا مع الأسد وأعادته إلى مقعده بجامعة الدول العربية خلال القمة الأخيرة التي عقدت بمدينة جدة في 19 مايو/أيار 2023، وكانت تلك الخطوة بمثابة إنعاش سريع لنظام إجرامي متهالك، دون كبح تجارة المخدرات، أو ضمان وقف إنتاج وتهريب مخدِّر الكبتاغون، وتقليص أنشطة التجارة غير المشروعة.
ووفقا لبيان القمة فإن النظام السوري وافق على بذل جهود إضافية لوقف تهريب المخدّرات من أراضيه إلى الدول العربية، لا سيما الخليجية، إضافة إلى تشكيل لجنة مشتركة عراقية وأردنية وسورية لضبط الحدود لمنع التهريب؛ وهو ما أجهضه الأسد بتصريحاته الأخيرة مع سكاي نيوز.
الصحفي والكاتب السوري الدكتور أحمد موفق زيدان، قال إن ما يفعله النظام السوري من تعمد تهريب مخدر "الكبتاغون" إلى السعودية، ينبغي ألاّ ينظر إليه على أن الأسد هو صاحب قرار فيه، وإنما ينبغي العودة إلى المشغل الأساسي المتمثل في إيران التي أعادت المملكة علاقاتها معها رسميا في يونيو/حزيران 2023، بعد أكثر من ثمان سنوات من التوترات بين البلدين.
وأكد في حديثه مع صوت الناس، أن النظام الإيراني هو من يخطط ويدير السياسة السورية والعراقية واللبنانية واليمنية، وأدواته هي المليشيات العراقية وبشار الأسد وحزب الله والحوثي اليمني، وله أهداف استراتيجية أبعد من جني المال من وراء الكبتاغون، تتمثل في تدمير الشباب العربي، والانتقام من الخليج، وخلق انقسامات اجتماعية وأمراض داخلية تمكنه لاحقاً من ملء الفراغ.
وعن تصريحات الأسد لقناة سكاي نيوز، وتحميله مسؤولية تجارة المخدرات للآخرين، قال زيدان، إن هذا ما اعتدنا عليه تماماً، فهو دائماً لديه حالة إنكار للواقع، وتحميل الضحية الداخلية أو الخارجية لكل مشاكله، وبالتالي هو يريد تحميلهم المسؤولية الأخلاقية والمادية.
وأضاف أن "عدم اتخاذ السلطة السعودية موقف حاسم لردع النظام السوري وإثنائه عن تجارة الكبتاغون عليه ألف علامة استفهام، والظاهر أن هناك قوى تستفيد من وراء هذه التجارة وإلا فمن المستحيل أن تقوم هذه التجارة من طرف وحد"، مؤكدا أن السعودية لم تجني سوى "صفر" من إعادة علاقتها مع إيران والأسد وخسرت ما تبقى لها من حاضنة وتركض خلف سراب ووهم.
وأوضح الكاتب والإعلامي السوري أحمد الهواس، أن تهريب الكبتاغون إلى السعودية ودول المنطقة جاء بعد أن خان من يسموا بأصدقاء الشعب السوري، الثورة السورية حيث فرضت مصالحة على درعا بالقوة وأصبح المنفذ الذي كان يد الجيش السوري الحر، تحت يد النظام السوري، وهذا هو منفذ الشر للأردن وما بعدها من دول الخليج وصولا إلى مصر وأوروبا.
وأشار في حديثه مع صوت الناس، إلى أن تجارة الكبتاغون تشرف عليها إيران وقوات النظام ولاسيما حزب الله، وتنتشر معامل تصنيعه على طول المنطقة وعرضها التي يسيطر عليها النظام السوري، لافتا إلى أن إعادة الأسد إلى الجامعة العربية جاء بعدما فرضت إيران ذلك على السعودية وألزمتها بمصالحة الحوثي والنظام السوري وإحضار الأسد إلى القمة الأخيرة. 
وعن أسباب عدم إغلاق السعودية باب الاستيراد من النظام السوري، قال الهواس: "الأولى أن تدعم الثورة السورية، ومن يستطيعون إسقاط الأسد وتخليص السعودية من هذه المصيبة، لكنها تخفي وراء صمتها أمر آخر، فهي تتفرج على مأساة الشعب السوري وتمسح بنقل حبوب الهلوسة والكبتاغون إلى شعوبها.
ورأى أن السلطات السعودية ترهب شعبها بالإبقاء على الأسد ليكون عبرة بأن "الذي يثور يكون حاله كحال الشعب السوري".
وعدد الإعلامي السوري ماجد عبدالنور مؤسس وكالة ثقة، أسباب إصرار النظام السوري على توريد الكبتاغون إلى السعودية، منها دوافع لإيران للضغط على السعودية من جوانب عدة "سياسية وعسكرية ودبلوماسية وأمنية" إذ تحاول دائما أن تتسبب في مشكلة أمنية للمملكة من خلال تجارة المخدرات التي تنتجها وتشرف عليها في معاملها بسوريا. 
وأوضح في حديثه مع صوت الناس، أن هناك أسباب اقتصادية تدفع النظام السوري لمواصلة تهريبه المخدرات للمملكة السعودية حيث يعد السوق السعودي قويا بالنسبة لتجارة المخدرات نتيجة ارتفاع نسبة التعاطي بين الشباب، متعجبا من ضعف موقف السلطات السعودية وعدم اتخاذها إجراءات أكثر صرامة تجاه النظام السوري.
ورأى عبدالنور، أن السعودية أعادت علاقاتها مع إيران والنظام السوري نكاية بأميركا، حيث تأزمت علاقة واشنطن والرياض في الفترة التي أقدمت عليها الأخيرة في تسوية علاقاتها مع طهران ودمشق، خاصة مع تصعيد الديمقراطيين تصريحاتهم تجاه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان منذ قضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في إسطنبول في 2018.
وأشار أيضا إلى أن تأزم العلاقات الأميركية السعودية برز حين سحبت واشنطن بطاريات صواريخ "باتريوت" من السعودية في سبتمبر/أيلول 2021، كما رفعت في الربع الأول من العام ذاته صفة الإرهاب عن جماعة الحوثي المسلحة في مجلس الأمن، لافتا إلى أن أميركا كانت تضغط على السعودية من وراء هذه الإجراءات. 
وأوضح عبدالنور أن تدهور العلاقات السعودية الأميركية بلغ أوجها مع قضية خاشجقي وحرب اليمن وقصف إيران لأرامكو وبقيق وعدم تحرك أميركا لحمايتها أو تطمينها أمنيا، ولذلك لجأت السعودية نكاية بأميركا إلى التقارب مع الصين التي قاربت بين المملكة وإيران والتي بدورها قاربت بين الرياض ودمشق وطبعت علاقاتها معها.
وأكد أن إيران ضغطت واشترطت على السعودية لبدء التطبيع معها وقف حرب اليمن وإعلان الهدنة، ومصالحة الأسد، وهو الأمر الذي تسبب بفضيحة للسعودية وانعكس سلبيا على قراراتها، قائلا إنها تعيش حالة تخبط حاليا بسبب عودة تقاربها مع واشنطن، ولذلك نشهد توتر بين السعودية والإمارات وتضارب بالسياسات وأحد أبرز الخلافات بينهما حول حرب اليمن بالإضافة إلى ملفات شائكة أخرى خلقت توتر بين الطرفين.