تقارير

عام من التستر على المجرمين.. أيتام خميس مشيط طي النسيان

تاريخ النشر:2023-08-30

تزامنا مع حلول ذكرى ميلاد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في 31 أغسطس/آب، وفي مثل هذا اليوم قبل عام كان الضرب والجلد بالحزام والسحل على الأرض ولي الذراع وخلع الحجاب بطريقة مهينة عقوبة "فتيات يتيمات" طالبن بحقوقهن داخل دار أيتام خميس مشيط، بعسير، على يد رجال أمن سعوديين قدمن إلى الدار استجابة لاتصال الإدارة بهم.

ووثق تعديهم الوحشي على يتيمات الدار بالصوت والصورة في مقطع فيديو سرب إلى الإعلام وتداوله ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي، ونددت به منظمات حقوقية وإنسانية، ورأته كاشفا وفاضحا لطريقة تعامل النظام السعودي مع المرأة التي يدعي بن سلمان حصولها على كافة الاستحقاقات وتحسن وضعها وتمكينها في ظل رؤيته التي يروج لها.

وتوالى منذ ذلك الحين التذكير في كل مناسبة تخص المرأة كاليوم العالمي لها، بقضية يتيمات خميس مشيط، وبرزت التساؤلات عما آلت إليه قضيتهم وعن وضعهن وحقوقهن، وحقيقة "تمكين المرأة"، مع استنكار صمت السلطات السعودية وتغطيتها على الحادث في مسعى معتاد لحماية المتورطين خاصة أنهم من رجال الأمن المحسوبين على السلطة ودفن القضية.

 

تعدي وحشي

البداية كانت في التحول النوعي للأخبار التي تتوارد عن جنوب المملكة من تسليط الضوء على قدرات المملكة على تأمين قواعدها العسكرية وردع استهداف الحوثي المتواصل على جنوبها من بداية الحرب التي تخوضها في اليمن منذ مارس/آذار 2015، إلى فضيحة اعتداء قوات الأمن بطريقة وحشية على فتيات يتيمات، لمطالبتهن بحصولهن على حقوقهن في الدار.

وأظهرت مقاطع الفيديو المتداولة نحو 20 رجل شرطة وأمن سعودي وهم يطاردون الفتيات داخل الدار، ويعتدون بالضرب عليهن باستخدام عصي ومقابض كهربائية، ووثق لحظة اعتقال عدد منهن بطريقة وحشية مهينة، وتلويح أحد رجال الأمن بالحزام الذي يستخدمه "كرباج" في وجه الفتيات، وتسمع أصوات صراخ وبكاء المقيمات، ويظهر الذعر عليهن.

وأظهر الفيديو رجال الأمن يرتدون زيًا كاكيًا ورجالًا ملثمين بزي مدني يلاحقون الفتيات ويضربوهن أثناء اعتقالهن، بينما يفشلن في محاولات الإفلات من التعدي عليهن، إذ قام عدد من الرجال بجر إحدى الفتيات من شعرها ولي ذراعها قبل تقييد يديها، بينما ركضن أخريات أثناء مطاردتهن من قبل أفراد آخرين من أفراد الأمن.

 

امتصاص غضب

ولأن الواقعة أثارت موجة غضب واسعة على منصات التواصل الاجتماعي ووصلت إلى كافة وسائل الإعلام المحلية والغربية موثقة، اضطرت السلطة لإصدار بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية واس، قالت فيه إن أمير عسير، تركي بن طلال بن عبدالعزيز، وجه بتشكيل لجنة للوقوف على الحادثة، والتحقيق مع الأطراف كافة، وإحالة القضية لجهة الاختصاص.

ونقلت الوكالة عن مصدر بالنيابة العامة قوله إنه "يحرم إيذاء المقبوض عليه جسدياً أو معنوياً، وحظر معاملته معاملة مهينة للكرامة"، مؤكدًا في الوقت ذاته على حماية المال العام من الجناية والاعتداء، وأن النيابة العامة ماضية في مباشرة إجراءاتها القضائية لحماية المجتمع وحفظ المال العام، ودورها العدلي في رعاية الضمانات المقررة للموقوفين.

وكان ذلك التصريح بمثابة إدانة للفتيات وتأكيد على مسعى تحميلهن المسؤولية وذلك بوصف الاعتداء بـأنه "واقعة إتلاف المال العام في دار التربية الاجتماعية"، كما أعلنت هيئة حقوق الإنسان السعودية تشكيل فريق لمتابعة الحادث، مؤكدة أنها "تعمل بالاشتراك مع الجهات ذات العلاقة على معالجة كافة ما رصد من ملاحظات".

 

تغييب للحقيقة

لكن إلى اليوم لم يكشف عن أسباب اقتحام قوات الأمن للدار ومن الأطراف الملثمة بزي مدني المشاركة في الاقتحام، ونتائج التحقيقات وتقارير اللجان المعلن تشكيلها، والأطراف المتورطة، كما لم تعلن جهات الاختصاص أسماء المدانين أو طبيعة الأحكام القضائية التي نالوها عقوبة لهم على الجرم الذي ارتكبوه، ولا حتى عدد الفتيات المعتقلات ومصيرهن.

وبالرغم من أن القضية أصبحت "قضية رأي عام" إلا أنها لا تحظى بأي ملمح من ملامح "الشفافية"، وأثبت مرور عام عليها أن لجنة التحقيق تحتاج إلى "تحقيق" وذلك بسبب التقاعس عن إعلان نتائج تحقيقها وتسترها على الفاعلين رغم إفادة ناشطون أن حتى الفتيات اللواتي وثقن الحادث تعرضن للتهديد.

وحذر ناشطون من أن جميع فتيات الدار في خطر من قبل رجال الأمن والإدارة والموظفات خاصة من سربن مقاطع الفيديو التي كانت الأكثر رواجا داخل وخارج المملكة كونها يثبت أن المطالبة بالحقوق أصبحت في عهد بن سلمان جريمة يعذب ويهان صاحبها، ودشن على أثرها وسم "#أيتام_خميس_مشيط، الذي حظي بتفاعل واسع وتضامن مع الفتيات.

واتهموا مدير الشؤون الاجتماعية هادي الشهراني، بأنه المتسبب باقتحام أفراد الأمن للدار؛ وكعادة المملكة في تزييف الحقائق وجعل المجني عليهم متهمين وتبرئة الجناة، فقد ألمحت حينها النيابة العامة التي يستخدمها بن سلمان كذراع له وتتصف بعدم الحياد والموضوعية إلى أن التحقيق سيشمل اتهامات للفتيات بإتلاف المال العام.

وذلك استنادا إلى روايات تناقلها مغردون -قد يكونوا محسوبين على السلطة- بأن الفتيات أتلفن محتويات في المركز احتجاجا على سوء معاملتهن؛ وهي كالروايات المضادة التي تخرج دوما مع أي حادث تمس سمعة السلطات السعودية وتفضح جرمها، ويقف ورائها الذباب الإلكتروني التابع للسلطة والذي يتحرك مع كل قضية بالترويج لرواية تلمع وجه السلطة.

 

إدانات واستنكار

وعقب انتشار مقطع فيديو تعدي قوات الأمن السعودية على اليتيمات على تويتر، قالت المتحدث الرسمي باسم حزب التجمع الوطني السعودي المعارض الدكتورة مضاوي الرشيد: "بالإضافة إلى إصدار أحكام بالسجن لفترات طويلة للغاية بسبب التغريدات، تقوم قوات الأمن السعودية الآن بضرب النساء في مؤسسات تابعة للدولة- وحشية النظام السعودي لا تعرف حدودا".

وأضافت الرشيد: "هكذا تقوم السعودية بتمكين المرأة، فالقوات الأمنية ترهب الأيتام".

وعلقت رئيسة قسم الرصد والتواصل في منظمة القسط لحقوق الإنسان، لينا الهذلول، على فيديو التعدي على فتيات الدار قائلة: "إذا كنت تتساءل كيف يتصرف أمن الدولة لابن سلمان عندما يعتقل أشخاصًا بشكل تعسفي، فلديك مقطع فيديو هنا لهم وهم يعتدون على دار للأيتام. مجرمون".

ووصف نائب مدير منظمة القسط لحقوق الإنسان جوش كوبر، مقطع الفيديو بأنه يحمل "لقطات مؤلمة للغاية لعنف الدولة ضد المرأة في دار للأيتام في المملكة العربية السعودية"، متسائلا: "ما الذي سيتطلبه الأمر بالنسبة لأولئك في جميع أنحاء العالم الذين أخذوا خطاب القيادة السعودية حول تمكين المرأة على محمل الجد لإعادة التفكير؟".

وأوضحت منظمة القسط أن ما تعرضت له بنات الدار كان إثرَ اعتصامهن وإضرابهن احتجاجًا على سوء الأوضاع المعيشية وسوء المعاملة التي تتلقاها النساء في دار التربية الاجتماعية، واستمرار انتهاك حقوقهن حتى بعد بلوغهن سنّ الرشد، قائلة إن الحادث يثير التساؤل حول الأوضاع المعيشية في دور الرعاية ونوع وجودة المعاملة التي يتلقاها الأيتام فتيةً وفتيات.

واستنكرت تجنب إمارة عسير في بيانها إدانة رجال الأمن على الاعتداء السافر والوحشي على الفتيات، وعدت ذلك سببا كافيا للطعن في مصداقية التحقيق الذي أمرت بفتحه حول الحادثة؛ وما يبدو أن طعن المنظمة كان في محله، كون السلطة تحاول جعل القضية في طي النسيان بسبب تجاهلها على مدار عام.

ودعت المنظمة إلى محاسبة المتورطين بما يضمن تقديمهم في المداهمة العنيفة على الدار وضرب الفتيات إلى العدالة، مع إيجاد آلية دائمة لحماية الفتيات والاستجابة إلى مطالبهن المشروعة، مطالبة بضرورة إيجاد لجنة مراقبة مدنية ومستقلة تراقب أوضاع دُور التربية الاجتماعية بصورة دائمة للاطلاع على الأوضاع المعيشية فيها.

وأشارت إلى أن الحادثة تمثل استمرارية لسلسلة واقعات مشابهة في الدور الاجتماعية تحت إدارة الدولة، ومشابهتها بحوادث وقعت في السجون، جميعها لم يحقق فيها أو لم يفض التحقيق فيها إلى التغيير أو الانتصاف، ناهيك عما وثِّق من هشاشة الإجراءات الحمائية الموفرة لضحايا التعنيف، حيث تنتهي الكثير من حوادث العنف الأسري دون محاسبة المعتدي.

ورأت أن العنف يفرض نفسه كطابعٍ تطبّقه السلطات على نظام السجون في السعودية، ودُور الرعاية، رغم عدم اختصاصها باحتجاز المجرِمات، ومراكز احتجاز الأحداث، وأوضحت أن هذا العنف عادة ما يتمثل في سوء المعاملة والاعتداء الجسدي والتحرش، مشيرة إلى توثيقها حالات الإهمال الطبي والإداري المتعمد وما ينتج عنه من سوء تغذية وتردي الحالة الصحية.

واستنكرت منظمة "داون" الحقوقية، التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، الواقعة، وقالت في تغريدة عبر حسابها بتويتر، إنه تم الاعتداء على الفتيات وضربهن بسبب اعتصاماتهن للمطالبات بتحسين وضعهن داخل الدار، حسب ما نقلته عن شهود.

مخالفات قانونية

وبدوره أكد المستشار القانوني المقيم في مدينة جدة السعودية، محمد عبدالفتاح، أن ما رصدته مقاطع الفيديو وما قام به عناصر الأمن ومن معهم "ينطوي على سلوك جنائي، واعتداء صريح بإساءة استعمال السلطة"، راصدا المخالفات التي تنطوي على تصرف رجال الأمن الذين ظهروا في الفيديو -بحسب ما صرح به لموقع الحرة-.

ومن المخالفات التي أوضحها، أن الفقرة (أ) من المادة الثانية من المرسوم الملكي رقم 43 على نصت على "معاقبة كل موظف يثبت ارتكابه لجريمة استغلال نفوذ وظيفته لمصلحة شخصية في داخل الدائرة أو خارجها، وذلك بسجنه لمدة لا تزيد عن عشرة سنوات أو بغرامة لا تزيد عن عشرين ألف ريال".

وأوضح المستشار القانوني أن الفقرة الخامسة من نفس المادة نصت على "تطبق هذه العقوبة على من يسيء الاستعمال الإداري، كالعبث بالأنظمة والأوامر والتعليمات على غير وجهها الصحيح أو غير موضعها بقصد الإضرار بمصلحة حكومية لقاء مصلحة شخصية، واستغلال النفوذ أياً كان نوعه في تفسير الأوامر وتنفيذها عن طريق مباشر أو غير مباشر".

وأفاد بأن الفقرة الثامنة من هذه المادة نصت على: "تطبق هذه العقوبة على من يسيء المعاملة أو يقوم بالإكراه باسم الوظيفة، كالتعذيب أو القسوة أو مصادرة الأموال، وسلب الحريات الشخصية، ويدخل في ذلك التغريم، والتنكيل، والسجن، والنفي، والإقامة الجبرية في جهة معينة".

كما يشمل دخول المنازل بطريقة غير نظامية مشروعة، والإكراه على الإعارة أو الإجازة أو البيع أو الشراء، وتحصيل ضرائب تزيد على المقادير المستحقة نظاما.

وقال إن المادة السادسة من نظام مكافحة جريمة التحرش (المرسوم الملكي رقم م 96) وبقرار مجلس الوزراء رقم (488) نصت على "يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سنتين، وبغرامة مالية لا تزيد على مائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين؛ كل من ارتكب جريمة تحرش".

وأشار إلى أن الفقرة (2) من ذات المادة نصت على أن تكون عقوبة جريمة التحرش السجن لمدة لا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة مالية لا تزيد على ثلاثمائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، في حالة العود أو في حالة اقتران الجريمة بعدة حالات، ومنها إن كان المجني عليه طفلا، أو من ذوي الاحتياجات الخاصة، أو إن كان الجاني له سلطة مباشرة أو غير مباشرة على المجني عليه، أو إن وقعت الجريمة في مكان عمل أو دراسة أو إيواء أو رعاية.

المصادر

الأمن السعودي يعتدي بوحشية على فتيات يتيمات (شاهد)

 "أيتام خميس مشيط" في السعودية.. مخالفات قانونية بالجملة في "الفيديو الوحشي"

مداهمة لأفراد من الشرطة وأمن الدولة على فتيات في دار أيتام يظهر قمع السلطات السائد ضد المرأة

Video of Saudi Forces Beating Women At Orphanage Stirs Outrage