تقارير

اعتقالات سبتمبر.. 6 أعوام من الجور والطغيان

تاريخ النشر:2023-09-09

ستة أعوام مضت على حملة الاعتقالات التي شنها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بعد شهرين من تنصيبه وليا العهد في 21 يونيو/حزيران 2017، وإزاحة عمه محمد بن نايف، والتي عرفت بـ"اعتقالات سبتمبر" لكنها توسعت واستمرت، وطالت عشرات الرموز الإسلامية والدعاة والأكاديميين والناشطين والناشطات والكتاب والصحفيين والمثقفين.
ومن أبرز المعتقلين في الحملة التي بدأت في 9 سبتمبر/أيلول 2017، الداعية والمفكر الدكتور سلمان العودة (66 عاما) الذي يتابعه على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي إكس "تويتر سابقا" حوالي 13 مليون مغرد، وأستاذ الشريعة الإسلامية الدكتور عوض القرني (66 عاما) الذي يتابعه قرابة 2 مليون مغرد، والخبير الاقتصادي عصام الزامل (44 عاما)
وتضم قائمة المعتقلين أستاذ القرآن وعلومه الدكتور ناصر العمر (71 عاما ويتابعه 5.5 مليون متابع، والداعية الإسلامي الدكتور علي العمري (50 عاما) ويتابعه قرابة النصف مليون مغرد، والكاتب والباحث في التاريخ الإسلامي موسى الشريف (62 عاما)، والباحث الأكاديمي والكاتب عبدالله المالكي، وعضوي جمعية حسم عيسى الحامد وعبدالعزيز الشبيلي، وغيرهم.
وحكم القضاء السعودي الذي أثبتت تقارير عدة أنه مسيس ويستخدمه بن سلمان لملاحقة معارضيه وإرهاب الشعب وتكميم الأفواه، على بعض المعتقلين بالإعدام بتهم هزلية، كما قضى بحبس آخرين مدد طويلة، ومنهم من أنهوا محكوميتهم وتم تدويرهم بقضايا جديد لتمديد اعتقالهم، فيما لا يزال معتقلين تحت وطأة الاعتقال التعسفي دون معرفة مصيرهم.

وكشفت تقارير عدة عن تعرض المعتقلين لانتهاكات واسعة وتنكيل وتعذيب داخل محبسهم، وأثناء التحقيقات لانتزاع اعترافات منهم على جرائم لم يرتكبونها، والحرمان من توكيل محامين ومنعهم من الاتصال بذويهم، ويعاني أغلبهم من ظروف اعتقال غير إنسانية وأمراض جسدية ونفسية نتيجة ما لاقوه.
وتعاقبت اعتقالات سبتمبر مع بروز بوادر انفراج لأزمة حصار قطر الذي فرضته السعودية وحليفاتها (الإمارات ومصر والبحرين) على دولة قطر في يونيو/حزيران 2017، إذ هاتف أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بن سلمان، معلنا رغبته في الحوار، وعلق حينها سلمان العودة بتغريدة كانت سببا في اعتقاله قائلا: "اللهم ألف بين قلوبهم لما فيه خير شعوبهم".
وانتهت الأزمة رسميا في 5 يناير/كانون الثاني 2021، ووقع بن سلمان وتميم بن حمد ونائب رئيس الإمارات محمد بن راشد، وولي عهد البحرين سلمان بن حمد آل خليفة، ووزير الخارجية المصري، سامح شكري، بيان قمة الخليج 41، "قمة العلا" فيما أسموه بيان "التضامن والاستقرار"، إلا أن المعتقلين على وقعها لازالوا يعانون مرارة الاعتقال.

وعرف المعتقلون بفكرهم الوسطي المعتدل، ودعواتهم إلى إجراء إصلاحات بالمملكة ومناداتهم بتعزيز احترام حقوق الإنسان في إطار الشريعة الإسلامية، وضرورة الإصلاح الاقتصادي، إلى جانب رفضهم الإساءة إلى دول الجوار؛ لكن السلطات السعودية عمدت إلى تشويه صورتهم والإساءة لهم، عبر أذرعها الأمنية ورجالها المحسوبين عليها.
وجهاز رئاسة أمن الدولة التابع لرئيس مجلس الوزراء والذي كان إبان فترة الاعتقالات حديث الإنشاء ويضم كلا من جهاز المباحث العامة، وقوات الطوارئ، وقوات الأمن الخاصة، بهدف تنسيق أنشطة مكافحة الإرهاب وجمع التحريات محلياً، إدعى حينها أنه تمكن من رصد "أنشطة استخباراتية لمجموعة من الأشخاص لصالح جهات خارجية".
وزعم الجهاز في بيان جاء بعد يومين من حملة الاعتقالات أن أنشطة الأشخاص المقبوض عليهم ضد أمن المملكة ومصالحها ومنهجها ومقدراتها وسلمها الاجتماعي، بهدف إثارة الفتنة والمساس باللُحمة الوطنية، دون أن توضح إذا كان بيانه له صلة بحملة الاعتقالات التي شنها في 9 سبتمبر/أيلول أم لا.
وجهاز رئاسة أمن الدولة هو أحد الأذرع القمعية المستحدثة في المملكة، وأنشئ في يوليو/تموز 2017، في إطار تعديلات السلطات السعودية على الأجهزة الأمنية وهو جهاز منفصل عن وزارة الداخلية ويتبع رئاسة مجلس الوزراء - أمر الملك سلمان في 27 سبتمبر/أيلول 2022 بإعادة تشكيله المجلس برئاسة بن سلمان-.

إدانات حقوقية
وفي أعقاب حملة الاعتقالات التي شنها بن سلمان، نددت منظمات حقوقية دولية وهيئات إسلامية بملاحقة السلطات السعودية للدعاة والمعارضين وطالبت بالإفراج الفوري عنهم، أبرزهم منظمة القسط الحقوقية التي دعت المجتمع الدولي إلى الضغط على السلطات السعودية للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع معتقلي الرأي.
وحثت في بيان لها في 17 سبتمبر/أيلول 2017، المجتمع الدولي على الضغط على السعودية لإيقاف حملاتها التي تستهدف المجتمع السعودي، والتوقف التام عن زرع الكراهية بين أفراد المجتمع ودفعه للتحريض أو للعنف، والتوقف عن تعريض مستقبل البلاد والمنطقة لمزيد من الأخطار، مستنكرة شن السلطات حملات منظمة لتشويه سمعة المعتقلين.

وأشارت القسط إلى أن السلطات السعودية تأمر كتابًا وصحفيين ودعاة بتوجيه التهم للمعتقلين وتخوينهم، وتدفع السعوديين للإبلاغ عن كل من ينتقد أداء السلطات أو يطالب بالإصلاح أو بحقوق الإنسان، محذرة من أن هذا التصرف فيه ضرب للنسيج الاجتماعي السعودي، وتهديد للمجتمع، وزرع المزيد من الفرقة بين أفراده، وترسيخ للكراهية والإقصاء. 
ورأت منظمة العفو الدولية أن تكثيف القيادة السعودية الجديدة بزعامة بن سلمان، حملتها القمعية على حرية التعبير، توجِّه به رسالة مخيفة، مؤداها أنه لن يتم التسامح مع حرية التعبير وأن السلطات سوف تلاحق المنتقدين، مشيرة إلى أن المملكة لم تشهد سابقا استهداف هذا العدد الكبير من الشخصيات السعودية المرموقة خلال فترة زمنية قصيرة.
وقالت هيومن رايتس ووتش على لسان مديرة قسم الشرق الأوسط سارة ليا ويتسن: "يبدو أن لهذه الاعتقالات دوافع سياسية، وهي علامة أخرى على أن بن سلمان غير مهتم بتحسين سجل بلاده في حرية التعبير وسيادة القانون، ستضيع الجهود التي يبذلها السعوديون لمعالجة التطرف هباءً إن بقيت الحكومة تسجن كل شخص بسبب وجهة نظره السياسية".
 ورأت المنظمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن حملة اعتقالات سبتمبر تأتي في سياق القمع المتزايد منذ بداية العهد الجديد، موضحة أن انتهاكات حقوق الإنسان تزايدت منذ تسلم الملك سلمان الحكم في يناير/كانون الثاني 2015، كما وسع بن سلمان قبضة القمع وتضاءلت مساحة حرية التعبير، منذ إعلان رؤية 2030 وزيادة صلاحياته وشغله لمناصب عدة.
ورصدت المنظمة أسماء 43 معتقلا من مناطق عدة في المملكة، مؤكدة أن اعتقالهم لم ينطو على مبررات قانونية، ويشكل انتهاكا لحقوق الإنسان، خاصة أن التهم الفضفاضة التي أشارت لها أجهزة الإعلام الرسمية، صدرت قبل إجراء تحقيقات وقبل محاكمتهم، وجاءت على إثر تغيّر مواقف سياسية للحكومة.
وفي يناير/كانون الثاني 2018، أصدر خمسة من مسؤولي حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، والمنظمات الحقوقية، بيانًا مشتركًا طالب السعودية بإخلاء سبيل عشرات المواطنين الموقوفين منذ سبتمبر/أيلول 2017، وأدنوا ما وصفوه بـ"المشهد المقلق لحملة الاعتقالات والتوقيفات التعسفية واسعة النطاق" منذ بدا ولي العهد حملته.
وقال البيان إن المملكة تنتهج "نمطا مقلقا من الاعتقالات والاحتجازات التعسفية واسعة النطاق من خلال استخدام قوانين مكافحة الإرهاب والقوانين الأمنية"، متهما الرياض بملاحقة النشطاء العاملين على تطبيق حرية التعبير والرأي والمعتقد وتكوين الجمعيات، والحق في التجمع.
وطالبا المدعي العام البريطاني السابق وعضو مجلس اللوردات، اللورد ماكدونالدز، ومحامي حقوق الإنسان الدولي، رودني ديكسون، الأمم المتحدة بتعليق عضوية السعودية في مجلس حقوق الإنسان؛ بسبب اعتقالها لأكثر من ستين شخصًا من النشطاء في المجالين السياسي والحقوقي بشكل تعسفي.
وأعدا تقرير بطلب من عائلات ضحايا الاعتقال السياسي، وقدماه للأمم المتحدة، بناء على شهادات من ذوي المعتقلين، وبمساعدة من "المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا" خلص إلى أن الاعتقالات التي نفذت في السعودية "تعسفية" وبدون تقديم تهم واضحة، أو معرفة الكثير عن أوضاع المعتقلين.
والعام الماضي، إبان الذكرى السنوية الخامسة لاعتقالات سبتمبر، أطلقت منظمة Freedom Initiative العالمية حملة دولية لإبراز القضية، واستمرت شهر للفت الانتباه للمعتقلين ومعاناتهم، وحشد المطالب من أجل إطلاق سراحهم، وكشف الواقع المزرى في مجال الحريات وحقوق الإنسان، وحظيت الحملة بتفاعل واسع بين الناشطين.
واستنكر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، اعتقال سلمان العودة وعدد من العلماء السعوديين، وقال إن "العودة عضو بمجلس أمناء الاتحاد، ويُشهد له بجهوده في مجال الدعوة الإسلامية، وهي جهود مباركة موسومة بالوسطية التي ينتهجها الاتحاد"، مناشدا الملك سلمان، سرعة الإفراج عنهم وعدم المساس بحريتهم؛ لكنها لم تلق استجابة.

العالم يغضب
وأثارت اعتقالات سبتمبر موجة غضب واسعة بين الناشطين على تويتر، واعتبروها انتهاكا جديدا تمارسه السلطات السعودية في حق الدعاة والمعارضين، وأبدوا تخوفاتهم من الخطوات التي تتخذها المملكة، تجاه كل من يخالف أوامرها، واصفين بن سلمان بأنه أسوأ حاكم مر على المملكة.
ولاقت الاعتقالات ردود فعل عالمية برزت في تقارير الصحف الغربية وغيرها من الصحف الإلكترونية التي تبث من الخارج، إذ وصفت مجلة "إيكونوميست" البريطانية الفترة التي تمر بها السعودية بأنها "أيام عصيبة"، واصفة المملكة بأنها "ملكية مطلقة تفضل أن تخطط للتغييرات السياسية قبل عدة سنوات من وقوعها".
وعدت صحيفة واشنطن بوست، الاعتقالات أحداث الأدلة على السياسة القمعية لدى السلطات السعودية، وقالت إن السعودية "الجديدة" التي وعد بها ولي العهد في رؤيته لعام 2030 لا تزال تشبه الزنزانة، ويهمين عليها الفكر القديم وحبيسة العصور الغابرة، ويبدو بن سلمان وبشكل متزايد، أشبه بالقادة المستبدين من الجيل الماضي.
أما صحيفة واشنطن تايمز الأميركية، قالت إن اعتقال عشرات العلماء والدعاة في المملكة من شأنه أن يسرع من طموح بن سلمان لتولي العرش خلفا لوالده الملك سلمان، مشيرة إلى إشاعات منتشرة تفيد بأن الملك ربما يستعد للتنازل عن العرش لابنه "المفضل" محمد.
ولفت موقع العربي الجديد إلى أن حملة الاعتقالات جاءت لتقضي على أي بذور للمعارضة يمكن أن تتشكّل ضدّ ولي العهد، خصوصاً أن غالبية المعتقلين يحظون بتأثير واسع داخل الوسط السعودي، وقد يعيقون أي خطوة انتقال حكم قادمة يقوم بها.

التجمع يستنكر
وفي سبتمبر/أيلول 2021، أكد حزب التجمع الوطني السعودي المعارض دعمه لجميع معتقلي الرأي وحقهم في التعبير عن آرائهم، وفي المحاكمات العلنية العادلة، والمعاملة الكريمة، مذكرا ببيان سابق انتقد خلاله ممارسات السلطة القمعية في محاكمة أصحاب الرأي والتأثير، بمحاكم الإرهاب، بتهم مبنية على نشاطهم السلمي أو آراءهم.
وأكد أن الخطوة الأولى باتجاه الإصلاح الحقيقي تبدأ بتفريغ السجون من جميع معتقلي الرأي والمعتقلين تعسفيا، وإلغاء أوامر منع السفر الجائرة، وإنهاء الممارسات الانتقامية من الأفراد عبر استهداف أفراد أسرهم، مصنفا اعتقال أو تقييد أي إنسان لمجرد رأيه "انتهاك لحقه وتهديد لأمن الشعب، وقمع لخياراته، ودليل على عدم قبول السلطة لرأي الشعب".
وبدوره، قال عضو حزب التجمع الوطني السعودي المعارض بدر الشهراني، إن جماح بن سلمان لا يكبحه إلا من كان له وزن أو ثقة في المجتمع، ولا يستطيع أحد أن يوقظ الشعب من أحلام ولي العهد إلا العلماء والمفكرين الذين يمتلكون النفس الطويل والثقة الكبيرة لدى المجتمع كالشيخ العودة الذي يتابعه الملايين من المسلمين عبر حسابه في السناب أو تويتر.
وأضاف في حديثه مع "صوت الناس"، أن بن سلمان يصر على اعتقال العلماء والدعاة والمفكرين لأنه يعلم أنهم القادرين على إيقاظ الشعب من غفلته وقلب الطاولة عليه ومناهضة مشاريعه التي لا خير فيها، والتي يستخدمها بهدف إلهاء الشعب بالملاهي والحفلات متبعا خطوته الشيطانية بما يخالف القرآن والسنة وحتى دستور البلد.
ولفت الشهراني إلى أن بعض المعتقلين الآخرين ممن يصابوا بالمرض والإهمال الطبي في سجون بن سلمان يطلقون سراحهم، لكي يوافي أجله في بيته مثل، الكاتب عبدالعزيز الزهراني، الذي توفي متأثرا بمرضه، في أبريل/نيسان 2023، عقب قرابة عام من إطلاق سراحه بعد اعتقال دام خمس سنوات على خلفية رفض حصار قطر ضمن اعتقالات سبتمبر 2017.
وذكر أيضا بالصحفي صالح الشيحي، الذي توفي في يوليو/تموز 2020 بعد شهرين من الإفراج عنه عقب قضائه عامين ونصف في السجن لانتقاده فساد الديوان الملكي، نتيجة تدهور صحته إثر إصابته بفيروس "كورونا"، مؤكدا أن المعتقلين لا ينطقون إلا بالحق بينما النظام الديكتاتوري لا يسمح بأن يبوح أي شخص إلا بما يرضي السلطان.
وعن تقييم سير محاكمات المعتقلين، قال الشهراني، إن كل المحاكمات أجريت خلف الأبواب المغلقة فكيف نستطيع أن نقيم المحاكمة بأنها عادلة أو غير عادلة؟، وأن ما هو بيّن أن الحكومة السعودية ركزت كل عزمها لكي تنفذ على العلماء المعتقلين حكم الإعدام، مشيرا إلى أن العودة والقرني حضرا محاكمات عديدة وأدانوهما بتهم مزيفة وحكموا عليهما بالإعدام.
وأكد أن المنظمات الحقوقية وسيلة لوصول أصوات الناس إلى خارج المملكة أما إزالة الطاغية من مكانه وإعلاء كلمة الحق فهو أمر يتعلق بشعب بلاد الحرمين.