تقارير

دائرا في فلك السلطات السعودية.. السديس يخذل غزة ويناصر الاحتلال

تاريخ النشر:2023-11-17

"الدجال، الأفاق، الضلالي، المدلس، المنافق، المختلس، الأجير، المرتزق، عالم السلطان، وغيرها من النعوت الأخرى وصف بها إمام الحرم المكي رئيس هيئة شؤون الحرمين عبدالرحمن السديس، عقب خطبة تحدث فيها عن الأحداث في فلسطين، بعد أكثر من شهر من العدوان الإسرائيلي المتصاعد على قطاع غزة، والذي خلف قرابة الـ11 ألف شهيد. 
السديس المقرب من السلطات السعودية، زعم أن الحرب على غزة "فتنة وينبغي على المسلمين الرجوع إلى ولي الأمر وعلماء الدين في مثل هذه المواقف وعدم الخوض فيما ليس من حقهم الخوض فيه"، و"ينبغي على المسلمين ألا تجعلهم هذه الفتن والأحداث متفرقين" -في إشارة للحرب على غزة-، داعيا إلى الوقوف مع الفلسطينيين والدعاء لهم.
وأثارت خطبة السديس موجة غضب واسعة بين رواد منصات التواصل الاجتماعي، وأعضاء حزب التجمع الوطني ، أعربوا عنها عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #السديس، واستحضروا خلالها خطبه السابقة المثيرة للجدل، مستنكرين انحرافه وتحريفه لفهم "الولاء والبراء" وتأصيله لأفكار مشوهة.
وذّكروا بخطب تملق فيها السلطات وجامل ولي العهد محمد بن سلمان، ودافع عنه إبان اغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في 2018، وأخرى غازل فيها أميركا، كما استغل المنبر لتسويق التطبيع مع الاحتلال والترويج له وتعبيد الطريق لتمريره، بعكس عقيدته السابقة التي كان يستخدم المنبر نفسه للترويج لها قبل سنوات.

ذراع بن سلمان
وعلقت المتحدثة باسم حزب التجمع الدكتورة مضاوي الرشيد، على خطبة السديس والهيئة التي ظهر بها، بالإشارة إلى أنه "يخطب وعنده حرس دليل على خوف ولي أمره من ردةُ الفعل، ساخرة بالقول: "ألم أقل لكم إن الوهابية لازالت تلعب دور في تثبيت عرش م ب س  -محمد بن سلمان- راعي الإسلام المعتدل؟".
وعن قول السديس إن الحرب في غزة فتنة وعليكم الرجوع إلى ولاة أمركم وأن لا تخوضوا فيما ليس من حقكم الخوض فيه، قالت مضاوي: "بس ودي أعرف وشو اللي مسموح لي أخوض فيه!".

وعد مدير مركز الوليد للتفاهم الإسلامي المسيحي نادر هاشم، خطبة السديس دليل على أن بن سلمان في حالة من الذعر الكامل بشأن غزة، والغضب الشعبي عند نقطة الغليان، ولذلك أصدر تعليماته لرجال الدين في المحكمة لإجبار الناس على الخضوع.
ورأى الإعلامي سامي الهاشمي الحامدي، أن بن سلمان يعين إمام المسجد الحرام للرد على غضب السعوديين والعالم الإسلامي الأوسع بسبب تقاعسه عن غزة وطمأنته إسرائيل بشأن التطبيع، مستنكرا أن الإمام الأكبر "إسلامياً" يرى أنه يجب على الناس طاعة بن سلمان وعدم الانجرار إلى أي شكل من أشكال المعارضة ضده.
ودعا الإعلامي اليمني صالح منصر اليافعي، للاستماع لخطبة السديس قبل التطبيع مع إسرائيل، حين كان يقطع الدموع على غزة ويدعي على اليهود المعتدين المحتلين الغاصبين، بينما اليوم قال هذه فتنة، داعيا بالقول: "الله يلعنكم يا شيوخ السلطان أنتم عار على الإسلام والمسلمين".
واستنكر الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية الدكتور حذيفة عبدالله عزام، مطالبة إمام الحرم المكي المسلمين -خاصة في بلاد الحرمين- بالاكتفاء بالدعاء لأهل غزة وعدم الخوض في هذه الفتنة، وطاعة ولاة أمرهم (الماضين في ركاب التطبيع)، وعلمائهم (يقصد مرجئة العصر)، قائلا: "لا يجوز بشرعه أن تخوضوا في أحداث غزة ولا أن تتفوهوا عنها ببنت شفة والقول الفصل لولي الأمر وموظفيه من العلماء".
ووصف الإعلامي المصري معتز مطر، كلام السديس بأنه "تقيؤ"، ساخرا بالقول: "ليس من حق الشعوب العربية والسعوديين خصوصاً أن يخوضوا في موضوع غزة - لا سمح الله - فلتتركوا إخوانكم يموتون في صمت.. خوضوا في موسم الرياض وسكراته".

روج للتطبيع
السديس انبرى إلى تلميع الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه، وحضر اسمه بقوة في عدد من التقارير العربية والأجنبية والإسرائيلية التي سلطت الضوء على ملامح التحولات في الموقف السعودي تجاه التطبيع مع "إسرائيل"، ورصدوا عدد من مواقفه وخطبه التي تحمل دلالات على اتباعه تعليمات السلطة ودورانه في فلكها بالتمهيد للتطبيع وتهدئة الخطاب تجاه تل أبيب.
واستندت التقارير إلى ظهور السديس والابتسامة على وجهه جنبا إلى جنب مع المبعوث الإسرائيلي المشارك في مؤتمر التواصل الحضاري الذي عقد في مدينة نيويورك الأميركية في سبتمبر/أيلول 2017، والذي أُقيم بالتعاون بين رابطة العالم الإسلامي وأخرى أميركية، بعنوان "التواصل الحضاري بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الإسلامي".
وعلى هامش المؤتمر، امتداح السديس أميركا الحليف الرئيسي للاحتلال، بتصريحه لقناة الإخبارية السعودية في سبتمبر/أيلول 2017، بأن "السعودية والولايات المتحدة الأمريكية اليوم هما قطبا العالم بالتأثير ويقودان العالم والإنسانية بقيادة خادم الحرمين الشريفين وبقيادة الرئيس الأمريكي الى مرافئ الأمن والسلام والاستقرار والرخاء".
وكان يرأس أميركا في ذلك الوقت الرئيس السابق دونالد ترامب، والذي دأب على إهانة السعودية والملك سلمان ونجله، بقوله "السعودية بقرة متى جف حليبها سنذبحها"، كما اعتبر لاحقا القدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، ورعا اتفاقيات تطبيع الإمارات البحرين والمغرب والسودان. 

وأشارت التقارير التي استندت إلى مواقف السديس كأحد ملامح اقتراب التطبيع السعودي الإسرائيلي إلى مناشدته في خطبه للمسلمين التي تبث على التلفزيون بتجنب "التعبيرات العاطفية والحماسية" ضد اليهود، وكان هذا الاختلاف في أفكار السديس لافتا لأنه كان يبكي سابقا خلال حديثه عن فلسطين ويدعو للفلسطينيين بالنصر "على الغزاة والمعتدين" اليهود.
وبعد ثلاث أسابيع من تطبيع الإمارات علاقتها رسميا مع الاحتلال الإسرائيلي في 2020، دعا السديس في خطبة الجمعة 3 سبتمبر/أيلول 2020، إلى تحاشي "الركون للعواطف المشبوبة والحماسات الملهوبة" تجاه اليهود، وتحدث عن طريقة تعامل الرسول مع جاره اليهودي، في تناقض لخطبه السابقة التي بكى فيها مرارا وهو يدعو لنصرة المسجد الأقصى والفلسطينيين.
وتحت عنوان "خطبة السديس.. ترويج الحرام في المسجد الحرام" قال الكاتب الفلسطيني محمد عايش، في مقال له بصحيفة القدس العربي، إن خطب السديس تتضمن تدليساً وتلبيساً على الناس، وتتعمد الخلط زمنياً وموضوعياً، فمن الناحية الزمنية، فإن العلاقة الطيبة التي أقامها النبي الكريم مع اليهود تعود إلى ما قبل 14 قرناً.
وأشار إلى أنه لم يكن في ذلك الحين ثمة اعتداء على المسلمين، أو على سكان المدينة، وهنا فإن الأصل في العلاقة هي السلام والتواد والتراحم، أما الخلط الموضوعي، فهو الخلط بين اليهود كأتباع دين سماوي وإسرائيل كقوة احتلال معتدية، مؤكدا أن السديس يستدعي نصوص دينية لاستخدامها في غير محلها ولا مكانها، وهو كلمة حق يُراد بها باطل.
وأكد عايش، أن حقيقة الأمر أن سبب مقاطعة إسرائيل ليس كونها دولة يهودية، وإنما لأنها تحتل أرضاً عربية، وتعتدي يومياً على الفلسطينيين وتنكل بهم، وتريد سحقهم ومحو هويتهم بشكل كامل، وهذا لا علاقة له بالدين، وإنما لكون إسرائيل مشروعاً استعمارياً احتلالياً، قام على أراضينا العربية والاسلامية.

تسييس المنبر
وقّبل السديس بيع ذمته واستخدام منبر المسجد الحرام وتوظيفه سياسيًا لتأييد الاستبداد والتغطية على جرائم السلطة السعودية وتلميع صورتها والتطبيل لولي العهد ورؤيته، وإشغال الناس عن ظلم المستبد، وتلاوة خطب توافق هوى ومزاج السلطة، في اعتداء وبغي علني، بدلا من أن يكون المنبر للتوجيه والإرشاد الديني للأمة الإسلامية. 
وسلط مقال رأي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية لأستاذ القانون بجامعة كاليفورنيا خالد محمد أبو الفضل، الضوء على استخدام المسجد الحرام للدفاع عن ولي العهد والتحدث عنه بطريقة تؤكد شرعيته وسيطرته على مكة والمدينة بطريقة مزعجة للغاية، مشيرا إلى خطبة السديس التي ألقاها يوم الجمعة المصادف 19 أكتوبر، من نص مكتوب.
واستنكر تمجيد السديس لابن سلمان والحديث عنه كهدية إلهية للمسلمين، بقوله في الخطبة التي بثتها الشبكات التلفزيونية وتناقلها رواد مواقع التواصل الاجتماعي إن "مسار الإصلاح والتحديث في هذه الأرض المباركة.. من خلال العناية والاهتمام من قبل ولي عهدها الإصلاحي الشاب الطموح والمخلص، صاحب الرؤية الابتكار والحداثة المتعمقة".
وانتقد دعاء السديس من أجل "حماية الأمير من المؤامرات الدولية التي نسجها أعداء الإسلام"، وزعمه في خطبة قريبة من المهزلة أنه "من واجب المسلمين كافة أن يدعموا ويطيعوا الملك وولي العهد الأمين وحماة وأوصياء المواقع المقدسة والإسلام"، مؤكدا أنه لم يسبق استغلال رجال الدين لمنبر الرسول محمد بمثل هذه الوقاحة ليخدموا النظام الملكي.

 

https://www.alquds.co.uk/%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%8A%D9%88%D8%B1%D9%83-%D8%AA%D8%A7%D9%8A%D9%85%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B3%D8%A6-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%AE%D8%AF%D8%A7%D9%85-%D8%A7/

https://www.alquds.co.uk/%D8%A7%D9%86%D8%AF%D8%A8%D9%86%D8%AF%D9%86%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D8%AA%D8%AE%D8%B0%D8%AA-%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D8%AE%D8%B7%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D9%84%D9%84%D8%AA

https://www.alquds.co.uk/%d8%ae%d8%b7%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%af%d9%8a%d8%b3-%d8%aa%d8%b1%d9%88%d9%8a%d8%ac-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d8%a7%d9%85-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%ac%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%ad/