تقارير

انتصرت غزة وانهزم الاحتلال.. المقاومة الفلسطينية تجبر تركي الفيصل على التراجع عن إدانته

تاريخ النشر:2024-01-05

في تناقض واضح لتصريحات رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق الأمير تركي الفيصل، امتدح نهاية العام المنصرم حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وأشاد بعملية طوفان الأقصى التي أطلقتها في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وعدها محطمة لصورة الاحتلال الإسرائيلي بأنه "قوة منيعة بالمنطقة"، مؤكدا أن العملية أعادت إحياء القضية الفلسطينية.
الفيصل قال: "في آخر شهرين أو ثلاثة، أصبحت القضية الفلسطينية هي المحور الذي يدور حوله اهتمام العالم، بصفة عامة، وليس فقط اهتمام المملكة العربية السعودية"، مؤكدا أن ما قامت به منظمة حماس من هجوم على "إسرائيل"، والطريقة التي استطاعت بها أن تغزو الحصن الحصين الذي أقامته "إسرائيل" حول منطقة غزة، أدى إلى تداعيات كبيرة جدا.
وأوضح خلال لقاءه على قناة الإخبارية السعودية، أن من هذه التداعيات تحطيم الصورة التي كانت لدى الكثير من الناس في العالم عن "إسرائيل" كونها المانع المنيع أمام أي قوة يمكن أن تنافسها، أو تجاريها، أو تتحداها، في المنطقة، وأن القضية الفلسطينية حية ولم تمت، كما أدعى البعض خلال السنوات الماضية بأن فلسطين أصبحت نسيا منسيا
وأكد الفيصل، أن هاتان النتيجتان اللتان أتت بهما هذه الحادثة التي حدثت منذ ثلاثة شهور "طوفان الأقصى" أيقظت العالم ونبهته، ليس هناك فقط قضية فلسطينية، ولكن هناك أيضا اضطهاد وظلم، وهناك ضيم يُمارس ضد هذا الشعب الفلسطيني من قِبَل محتل يشبه الاحتلالات الاستعمارية في القرن 19 التي كانت تمارسها دول أوروبا، في مناطق مختلفة من العالم.
وجاءت التصريحات الإيجابية للفيصل القريب من السلطة السعودية والذي كان سفيرا سابقا للمملكة بالولايات المتحدة الأميركية، معاكسة لتصريحات متشنجة سابقة أدلى بها باللغة الانجليزية في مؤتمر في معهد بيكر، في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2023 -أي بعد أيام من العملية العسكرية لحماس، وهاجم خلالها المقاومة الفلسطينية.
وقال: "لا أؤيد الخيار العسكري في فلسطين، وأفضل العصيان والتمرد المدني الذي أسقط الإمبراطورية البريطانية في الهند والإمبراطورية السوفيتية في أوروبا الشرقية.. إسرائيل تتمتع بتفوق عسكري ساحق، ونحن نرى أمام أعيننا الدمار والضياع الذي تجلبه لشعب غزة"، معربا عن إدانته القطعية استهداف حماس لأهداف مدنية من أي عمر أو جنس.
ورأى الفيصل، أن هذا الاستهداف يكذب ادعاءات حماس بالهوية الإسلامية، وذكر بأن هناك أمر إسلامي ضد قتل الأطفال الأبرياء والنساء والشيوخ، كما أن الأمر يحرم تدنيس أماكن العبادة، معلنا إدانته قيام حماس بإهداء أرضية أخلاقية لحكومة إسرائيلية منبوذة عالميا، حتى من قبل نصف الجمهور الإسرائيلي باعتبارها فاشية شريرة ومكروهة.
وأضاف: "إنني أدين حماس لأنها أعطت هذه الحكومة الفظيعة الذريعة لتطهير غزة عرقيا من مواطنيها وقصفهم حتى الاندثار"، متابعا: "إنني أدين حماس لمواصلة تقويض السلطة الفلسطينية كما تفعل إسرائيل، وأدين حماس لتخريب محاولة المملكة العربية السعودية للتوصل إلى حل سلمي لمحنة الشعب الفلسطيني".
وهي التصريحات التي احتفى بها الكيان الصهيوني، واستشهد بها حساب "إسرائيل بالعربية" التابع للحكومة الإسرائيلية على منصة إكس، وأعاد نشرها مرفقة بمقطع الفيديو ومختصر لكافة الإدانات التي وجهها الفيصل لحماس، مركزا على إشارته على توصية الإسلام بحرمة قتل الأبرياء.
وعقب شهر من هذه التصريحات، تبعها الفيصل بأخرى مشابهة أدلى بها خلال مشاركته في حوار المنامة الذي استضافته العاصمة البحرينية في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، إذ أدان هجمات حماس في 7 أكتوبر، ووصفها بـ"البربرية"، محملا الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية وصول الأموال من دولة قطر إلى حركة حماس.
وقال: "المفارقة هنا، هي أن إسرائيل كانت تدعم حماس، فالدولة الجارة لنا قطر كانت ترسل أموالا إلى غزة وكانت البنوك الإسرائيلية تسمح بوصول الأموال إلى حماس بدون إجراء حسابات حول ذلك وبدون معرفة إلى أين تذهب هذه الأموال ومن الذي يحصل عليها وما إلى ذلك".
سلسلة الإدانات التي أطلقها الفيصل ضد حماس قرنها بتصريحات أقل حدة في الإدانة للاحتلال الإسرائيلي، وجاءت في أول شهرين من عملية طوفان الأقصى، متعاقبة مع تواصل المجازر الصهيونية بحق المدنيين الفلسطينيين، لكنها تحولت خلال حديثه عن تداعياتها إلى إسهاب في المديح والثناء والإشادة بالعملية العسكرية لحماس وسط توالي الإنجازات.
وتزامن هذا التغيير في موقف الفيصل مع دخول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يومه الـ87، وتوالي انتصارات المقاومة الفلسطينية وبيان تصاعد قدراتها العسكرية وإنجازاتها الميدانية وسيطرتها على الأرض وتكبيد الاحتلال خسائر في الأرواح والعتاد العسكري، حيث قصفت تل أبيب وضواحيها بوابل من الصواريخ، وأدخلت المستوطنين الملاجئ.
تفاخر الفيصل الذي يعرف في الأوساط الإعلامية بأنه "عراب التطبيع" بحركة المقاومة الإسلامية حماس التي تصنفها المملكة السعودية بأنها منظمة إرهابية، سبقه تماهي غير مسبوق مع الاحتلال الإسرائيلي، وتأييد لتطبيع الدولتين الخليجيتين "الإمارات والبحرين" مع الكيان المحتل في 2020 برعاية أميركية وامتناع عن الإدانة بذريعة أنه "قرار سيادي".
المسؤول السعودي السابق صاحب التصريحات الأخيرة المشيدة بالمقاومة تربطه علاقة ودية مع رئيسة وزراء الاحتلال الإسرائيلي السابقة تسيبي ليفني، ويحرصان على التقاط الصور التي تظهر حجم المودة والترحاب بينهما، منها لقائهما في مؤتمر الأمن الدولي بمدينة ميونيخ الألمانية مطلع العام 2014 والتي سربها وسائل إعلامية.
والتقى الفيصل وليفني علنا في منتدى "دافوس" العالمي مطلع 2017، وفي يونيو/حزيران 2022 احتفت الأخيرة بصورة جديدة تجمعها مع رئيس المخابرات السعودي الأسبق الذي لا يحمل صفة رسمية حاليا، التقطت على هامش حضورهما النسخة التاسعة لـ"منتدى باكو" العالمي في أذربيجان، ونشرتها على حسابها على منصة إكس.
ويحرص المسؤولون الإسرائيليون على إبراز العلاقات الودية مع المسؤولين السعوديين حتى وإن كانوا بغير صفة رسمية تخولهم تمثيل بلدهم، فقد نشر الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "الموساد" عاموس يدلين، في ديسمبر/كانون الأول 2020 صورة "ودية" جمعته بالفيصل وهما يحتسيان القهوة، ويتبادلان الابتسامات.
تصريحات الفيصل الأخيرة التي جاءت معاكسة للتوقعات، تعاطى معها كتاب ومحللون وناشطون، وأشار عضو حزب التجمع الوطني عمر عبدالعزيز، إلى التغيير في لهجة الفيصل، وذكر بأن الرجل في بداية الأحداث بعد ٧ أكتوبر كان معارضا وبشدة، ووصل به الحال إلى اتهامات لدول خليجية بسبب دعمها لحماس، ساخرا بالقول: "اليوتيرن طيب".
ورأى الكاتب أحمد عبدالعزيز، أن تصريحات الفيصل الأخيرة وتهدئة خطابة تجاه المقاومة الفلسطينية دليل على أنها (بقيادة حماس) انتصرت، و"إسرائيل" تعرضت لهزيمة مُذلة، وانتهى الأمر، وما نشاهده اليوم في غزة يشبه تلك الهزات التي تعقب أي زلزال كبير مدمر، ستستمر لبعض الوقت.
وقال في مقال له بموقع عربي 21، إن هذه ليست استنباطا ولا استنتاجا من الفيصل، وإنما "معلومة مؤكدة لا تقبل الشك" مصدرها شخصيات مهمة ومطلعة وفاعلة دخل الكيان الصهيوني تربطها علاقات وثيقة بالفيصل، مؤكدا أن التصريحات الإسرائيلية والأميركية بالقضاء على حماس وقدراتها ليست سوى "بروباجندا فارغة".
ورأى أن تصريحات الفيصل، تمهيد سعودي للتعامل مع القضية الفلسطينية، والمقاومة الفلسطينية بقيادة حماس، وفق رؤية جديدة (إيجابية) فرضها الفلسطينيون على العالم بدمائهم وأرواحهم، وبالفعل، فإن الفيصل بتاريخه ووزنه وعلاقاته هو الشخص الأنسب لإعلان هذا التوجه الجديد، وليس أي شخص آخر، حتى لو كان وزير الخارجية.
وتوقع عبدالعزيز، أن التصريحات ربما تكون نصيحة لـ"ولي الأمر" يسديها أو يهديها إليه خبير عتيق لديه من العلاقات والاتصالات الكثير، مفادها أن الوقت قد حان لإصلاح خطأ المملكة بحق حماس، مؤكدا أن ذلك الخطأ الذي لم يكن له أي مبرر في الحقيقة، لأن حماس لم تكن (أبدا) عدوا لأي بلد عربي، سواء اختلفت مع سياساته أو قيادته.

وعلق الكاتب ووزير الخارجية التونسي الأسبق الدكتور رفيق عبدالسلام، على تصريحات الفيصل، قائلا: "يبدو أن الدول العربية التي راهنت على انتصار اسرائيل في عدوانها على غزة قد وجدت نفسها في ورطة كبيرة وغير متوقعة، فقد كانت تظن أن الحرب ستكون قوسا صغيرا وعابرا، ومن ثم سيتم غلقه بسرعة بعد استكمال إسرائيل لمهمتها بما يسمح بالمضي قدما في خيار التطبيع".
ورجح في تغريدة له على منصة إكس، أن بعض هذه الدول ستضطر لمراجعة مواقفها على وقع هزيمة دولة الاحتلال ثم ضغط المزاج الشعبي العام، مضيفا: "هذا على كل حال جيد مهما كانت دوافعه، لأن الرجوع للحق فضيلة وليس من مصلحتنا الاستراتيجية أن نرى دولا عربية كبرى في الخندق المقابل".