ذكر الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي، بمعاناة عدد من الرموز الوطنية المعتقلين في سجون الأنظمة العربية، بينهم الداعية المعتقل في سجون السلطات السعودية الدكتور سلمان العودة، والمعتقلان في سجون النظام المصري المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع، ورئيس مجلس الشعب السابق محمد الكتاتني.
واستحضر في كلمته خلال مؤتمر البحث عن الديمقراطية الذي عقد بالعاصمة الأميركية واشنطن في 2 مايو/أيار 2024، بالمعتقلين في سجون النظام التونسي رئيس مجلس النواب راشد الغنوشي والمحامي غازي الشواشي، متوقعا انهيار المملكة السعودية لسيرها على ذات النهج الذي اتبعته الأنظمة التي سقطت واحدة تلو الأخرى.
وأعرب المرزوقي، عن رفضه استخدام مسمى "الربيع العربي" في حديثه عن الانتفاضة العربية التي شهدتها بعض البلدان العربية في 2011، مفضلا تسميتها بـ"البراكين العربية"، ومحذرا من أنها مستعدة للانفجار في السعودية نتيجة اتباع السلطات نهج الأنظمة الديكتاتورية في "القمع والفساد والكذب" ورفضها للإصلاح والاستماع لدعاته.
واستنكر إصرار السلطات السعودية على ممارسة القمع وتنفيذ أحكام الإعدام بحق الأطفال القصر، ودعا الحقوقيين والديمقراطيين في كل العالم للتصدي لهذه الجريمة، منددا بإصرار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على الحكم بعقلية الآباء والأجداد ووصف ذلك بأنه "الغباء بعينه"، وحث السعوديين في المنفى على التمسك بالديمقراطية والتشبث بها.
إليكم نص كلمة المرزوقي
أولا: أريد أن أشكر منظمي هذه الدعوة مركز البحث والحقوق العربية والأخ عبدالله العودة وكل الإخوة الذين سهروا على هذه الندوة.
بطبيعة الحال نحن لا يمكن أن نتحدث بدون أن نشعر ونترجم لكل الآلام التي تعيشها الأمة العربية سواء عبر مأساة غزة أو عبر المأساة التي يعيشها الشعب السوداني والسوري والعراقي وكل الشعوب العربية، كذلك لا يمكن أن نتحدث دون أن نستحضر آلام الأفراد الذين يدافعون عن هذه الشعوب.
أريد أن أذكر بالأساس بعض الأسماء: سلمان العودة في سجون السعودية، بديع والكتاتني في السجون المصرية مع الـ100 ألف سجين مصري، الغنوشي والشواشي في السجون التونسية إلى آخره.
كل هذه الآلام سواء آلام الشعوب أو الأفراد ناتجة بالأساس عن هذه المأساة التي نشاهدها ولا ننتبه إلى أهميتها وهي انهيار الدول العربية واحدة تلو الأخرى، في الستينات حين رأينا انهيار الصومال قلنا هذا بلد أفريقي عربي ليس له أهمية، ثم لم ننتبه أنه بدأت بعدها سلسلة الانهيارات.
اليوم عندكم انهيار الدولة في العراق ولبنان واليمن وليبيا وسوريا، والوضع محتقن جدا في تونس والجزائر وفي كل العالم، ومن يتصور أن هذه الانهيارات ستنتهي فهو مخطئ.
لا استبعد أن بعد 10 ، 20 سنة السعودية ستنهار بنفس الكيفية التي انهارت بها لبنان وسوريا، لا شيء يمنع من هذا لسبب بسيط هو أن نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج.
أنا شخصيا لا أحب كلمة الربيع العربي، هذه كلمة أخذناها من أوروبا وأنا أفضل قضية "البراكين العربية" براكين تنفجر عندما يصل داخلها الضغط إلى درجة معينة، وهذا الانفجار يؤدي بطبيعة الحال إلى كارثة محدقة بالناس الذي يعيشون تحت هذا البركان.
وهذه البراكين العربية انفجرت الواحدة تلو الأخرى وهي مستعدة للانفجار في السعودية وفي كل مكان آخر لأنها مؤداه بنفس الأليات وهي "القمع والفساد والكذب على الآخرين طول الوقت"، هذه الآليات التي تشتغل بها هذه الأنظمة الديكتاتورية وترفض دائما وأبدا الإصلاح.
في قضية الإصلاح عندي قصتين، الأولى شخصية عشتها مع بن علي في الثمانينيات عندما قام بانقلابه تحدثت معه وأتذكر أنني قلت له يا سيدي الرئيس الديمقراطية فيها مخاطر لكن أكبر خطر هو عدم المخاطرة بالديمقراطية، فبطبيعة الحال لم يفهمني وانخرط بالديكتاتورية.
وصديق مصري اسمه محمد السيد سعيد صحفي مصري حكى لي نفس القصة تقريبا قال لي إنه تكلم مع الرئيس مبارك وقال له إن الإصلاح كذا وكذا وأعطى له ورقة بها بعض الأفكار عن الإصلاح ورفض أن يأخذ هذه الورقة منه.
تصوروا مثلا لو سمعني بن علي أو سمع مبارك هذا الشخص ودخل في الإصلاحات الحقيقة وليست المزيفة، تصوروا لو أن الحاكم بأمره الآن في السعودية استمع إلى سلمان العودة ولم يضعه في السجن ربما كانت الأمور تذهب في اتجاه مختلف تماما، لكن هذا لم يقع.
ما رأيناه ونراه الآن هو التمسك بالآليات الثلاثة "القمع الفساد البروباجاندا"، وهذه الآليات الثلاثة هي التي تمكن هذه الأنظمة من البقاء، ولكنها هي أيضا التي يموتون بها، يعني هم يعيشون بهذه الآليات ويموتون بها، قضية الفساد هم يفسدون ما يستطيعون، لكن في نهاية المطاف الضمائر الحية التي تخلق التاريخ لا يستطيعون شرائهم، هم يشترون الفاسدون من أمثالهم الذين يتخلون عنهم في أول الطريق.
هم أيضا يكذبون طول الوقت على أنفسهم ويصدقون كذبهم ويصبحون يعيشون في عالم سحري إلى أن يفيقوا في الواقع الحقيقي الذي يرون فيه وجهتهم، هم بالقمع أيضا في آخر المطاف لن يقمعوا إلا الجبناء والضعفاء، ولكنهم يصطفون الشجعان ومن يستطيعون القيام بهم.
وفيما يخص القمع أريد أن أتحدث عن خاصية القمع في السعودية التي لم أعرفها في أي مكان آخر إلا في السعودية، وبصفتي رجل حقوقي أؤمن بحقوق الإنسان اعتبر أن هذه وصمة عار في جبين هذا النظام ويجب أن يكف عنه، وهي قصة الأطفال الذين يلقى عليهم القبض وهم في الـ11 ثم ينتظروا أن يبلغوا في سن الـ18 ثم تقطع رؤوسهم.
هذه أكبر جريمة حسب رأي لم يعرف تاريخ الجرائم، ويعلم الله أن تاريخ البشرية ملئ بالجرائم لكن جريمة كهذه لم تقع إلا في السعودية، أطفال يؤخذون ثم يوضعون في السجون إلى أن يبلغوا ثم تقطع رؤوسهم، لماذا؟ إن هؤلاء الناس الذين يرتكبون هذه الجرائم لا أعرف كيف سيواجهون ضمائرهم ثم كيف سيواجهون الله.
هم لم يقرأوا في القرآن أن "مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً"، يعني هم يقتلون البشرية مرات ومرات ومرات، هذه الجريمة النكرة التي اختص بها النظام السعودي يجب أن تقف.
على كل الحقوقيين والديمقراطيين في دول العالم أن يقولوا كفى، يكفي هذا العالم من فظاعات، لا تضيفوا هذه الفظاعة إلى سجل الفظاعات التي ترتكبها البشرية في حق نفسها، يعني هذا شيء لا يقبل ولا يمكن لأي إنسان له الحد الأدنى من الضمير والاحساس أن يقبل بهذا النوع من القمع.
بالطبع هؤلاء الناس للأسف الشديد سيوصلون العمل بهذه الآليات من القمع والفساد والبروبجاندا والكذب على الناس وعلى الآخرين، إلى أن تنتهي بهم العملية إلى انفجار البركان.
هناك أيضا شيء لم ينتبهوا إليه ونعرفهم جيدا كيف يفكرون، هم لم ينتبهوا إلى تغيير الأجيال، وحتى القادة الغربيين أيضا لم ينتبهوا شوفوا كم هم متفاجئين الآن بما يقع في الجامعات الأميركية، شيء مفاجئ، لماذا؟ لأن هناك تغيير.. الأجيال تغيرت.
وهؤلاء الناس حتى ولو كانوا شباب مثل الأمير محمد بن سلمان، مازالوا يحكمون بعقلية الآباء والأجداد، لم ينتبهوا إلى أن هناك أجيال مختلفة جدا لا علاقة لهم أبدا بـ...، يعني أن تريد أن تحكم أجيال جديدة بعقلية أباءك وأجدادك في القرن الـ17، 18، هذا هو الغباء بعينه، عدم الانتباه إلى هذه التغيرات الجيولوجية في تركيبة المجتمع إن صح التعبير.
والنتيجة مثل ما نحن فيه، نتحدث هنا ومفروض أننا كنا في بلداننا الآن نساهم في بناء مجتمعاتنا، لكن أنا منفيا وأنتم منفيين وكلنا منفيين وكلنا في بلدان الغربة إلى آخره، في آلام عبثية، وتضييع عبثي للطاقات وإهدار عبثي لكل هذه الطاقات وتضيع وقت.. إلى آخره.
أنا كعربي وكتونسي أعرف أن أصعب المعارك لفرض الديمقراطية ستكون في بلادكم في السعودية، ربما لا توجد بلد سيكون فيه من الصعب جدا أن تبنى هذه الديمقراطية قدر السعودية، لكن لكل ثمين ثمنا باهظ، وهذا أثمن ما يمكن أن تقوموا به، هو إعلان الديمقراطية التي هي حق من حقوق الإنسان، ومن حق الإنسان السعودي أن يتمتع بالديمقراطية ومن حق الشعب السعودي أن يتمتع بالديمقراطية، وهذه أمر لن يستطيع أحد أن يمنعه.
ما أريد أن أقوله إن رغم كل هذه الصعوبات والانفجارات البركانية التي تنتظرنا، فلا خيار لنا كلنا جميعا غير أن نثبت على هذا المبدأ، وهذه الشعوب أيضا لها الحق في الديمقراطية، ولها الحق في الحرية، وأن كل الإغراءات.. أحيانا استغرب في المثال السعودي أن كانت هناك فترة التدين بالقوة، والآن اللهو بالقوة، يعني شيء مضحك.. تدينوا بالقوة، والآن الهو وكونوا سعداء بالقوة، يعني شيء مضحك.
بطبيعة الحال لا التدين كان صحيح، ولا اللهو صحيح، ولا شئ من هذا صحيح ولا يمكن لمجتمع سليم أن يخرج من هذه التصرفات التي لا تأخذ بعين الاعتبار التجارب والتي لا تريد أن تتعلم من تجارب التاريخ، والتي لا تفهم أن الأجيال الجديدة لا علاقة لها بالأجيال القديمة
أخشى ما أخشاه أن هذه البراكين العربية ستواصل انفجارها وأن سيكون هناك الكثير من الآلام والكثير من العبث وتضيع الوقت، لكن مرة أخرى عندي قناعة أن هذه الأجيال الجديدة
أيضا التي نراها اليوم في أميركا، وأنا أحيي هذه الأجيال الجديدة التي تقف مع شعبنا في غزة.
هذه الأجيال الجديدة لها دور كبير لأن ما يحدث الآن في أميركا شيء مهم جدا ودليل على أن القضية الفلسطينية ليست قضية "عرق ضد عرق، دين ضد دين، حضارة غربية ضد حضارة عربية، كل هذا انتهى بفضل هؤلاء الشباب الأميركيين، هذه المعركة الآن هي معركة قيم مشتركة وأحلام مشتركة وديمقراطية حقيقة مشتركة في كل العالم.
هذا بالنسبة لي شيء إيجابي جدا، فأنا بالرغم من كل الآلام والصعوبات مازلت على ثقة تامة أن هذه الأجيال التي نراها تتحرك اليوم في الجامعات الأميركية وفي بلداننا هي التي ستنهي هذا العبث والغباء، لأن كل هذه الآلام عبث وغباء.
لو كان هؤلاء الناس تعلموا من تجارب التاريخ لسمعوا سلمان العودة في السعودية وسمعوا محمد السيد سعيد في مصر ولربما سمعني ذلك الديكتاتور الذي انتهى كما تعلمون لأنه رفض أن يسمع الكلام.
إذا إخواني وأخواتي دون أن أطيل عليكم يجب أن نتشبث بأحلامنا ونبقى متشبثين إلى آخر رمق بهذه الأحلام، لأننا ليس لنا خيار آخر، وكما يقول شاعرنا وأنا أريد أن أنهي بهذا "ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر".. والسلام عليكم.